لَم تَكُن تِلكَ الإِبرَة كَمَا هِي عَليْه اليَوْم؛ حَيثُ لَا تَشعُر بوَخْزِهَا مِن يَدِ مُمرَضِّة حَنُونَة؛ فَهِي كَانَت تُصنَع مِنَ الحَدِيد، وتَتدَاول مِن شَخْص لآخَر، بَعْد طَبْخِها فِي مَاء مَغليٍّ لتَعقِيمِها.
غَرَسَتْ تِلكَ الإبرَة فِي عَضُدِي الغَض، تَجرَّعَتُ مِن خَلالَها رَائِحَة الدَّوَاء مِن الحَلْق مِن شِدَّة ألمِها، وقُوَّة مَا فِيهَا مِن دَوَاء.
كُنتُ فِي مَرَاحِل طُفُولتِي الأُولَى، ولِكَي يَهدَأ ذَلِك الطِّفل المُدلَّل، ويَنسَى الأَلَم، تمَّتْ مُكافَأتِه بصَحن دَال (عَدس) مَع خُبْز البَرَاتَا فِي هَذَا المَطْعَم، المَطبُوخَة عَلَى الطَّرِيقة الهِنديَّة، كَانَ له طَعْم لَذِيذ، نَسِيتُ مَعَه الألمَ والحُمَّى.
كَانَتْ تِلكَ المَرَّة الأولَى بِدَايَة تَعرُّفِي عَلَى المَأكُولَات الهِنديَّة، التِي أَصْبَحَت تَدريجِيًّا تَغزُو مَطابِخنَا العُمانيَّة، وخَوفِي أنْ يُصبِح خُبزُ الرَّخَال يَومًا فِي ذَاكِرَة التَّارِيخ.
هَا أنَا اليَوْم أَعُودُ لِهَذَا المَطعَم، استَعدَتُ فِيه طُفُولتِي الجَمِيلَة، بَعْد انقِطَاع دَام لأكثَر مِن أَربَعِين سَنَة، تَنَاولتُ فِيه الشَّاهِي (الشَّاي) مَع اللُّولَا، إلَّا أنَّ الوجُوه التِي كَانَت فِيهِ قَد تَغيَّرَت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.