شَكَّلت الحَمِير -إلى جَانِب الجِمَال- وَسِيلةً فَاعِلةً فِي عَمليَّات النَّقل والتنقُّل البري قبل ظُهُور السيَّارات في عُمان، ومَا مِنَّا إلَّا لَه ذِكريَات جَمِيلَة مَعَ هَذِه الحَيَوانَات الأَلِيفَة، التي تَحمَّلت مَعنَا مَصَاعِب الحَيَاة ومَشقَّة العَمَل، خَاصَّة عِند التنقُّل بِهَا عَبْر الطُّرق الوَعرَة فِي الجِبَال الشَّاهقة، والأَودِية الصَّخريَّة العَمِيقَة، وَهِي مُحمَّلة بأَثقَال المَتَاع وأَجْسَاد البَشَر، دُون أنْ تَشْتَكِي أو تَتذمَّر، بَل قَد تَحْظَى مِن البَعْض بتِلْك الضَّرَبَات القَاسِية بالعَصَا، بدلًا مِن نَظَرَات الشَّفقَة والعَطْف عَلى مَا هِي عَليهِ فِي ذَلِك الزَّمَان.
الحَمِير مُنذ الأَلف الرَّابِعة قَبْل المِيلَاد هِي رَفِيقَة الإِنسَان، بَعْد أنْ استَطَاع أنْ يَستَأنِسها، لتَكُون لَه خَيْر مُعِين فِي تَنقُّلاته وحَمْل أَثقَالِه، مُدْرِكًا أهمِّيتها ودَوْرَها، مُتمتِّعًا بجَمَال قَوَامِها ومَنْظَرِها، لأنَّها إِحْدَى فَصَائل الخُيُول البَريَّة، التِي تضمُّ الأَحْصِنَة المُستَأنسَة والحَمِير الوَحشيَّة والبِغَال.
للحِمَار قِيمةٌ ثَقَافيَّة فِي التَّاريخ البَشَري، ولَكِن للأَسَف اعتَاد الكَثِير مِنَ النَّاس عَلَى وَصْف الحِمَار بالغَبَاء والبَلَاهَة، فِيمَا هُو مِنَ الحَيَوانات الأَلِيفَة والذَّكية، ويَعُدُّه البعضُ رَمزًا وشِعَارًا للثَّورة والعِنَاد والمُثَابَرة وقوَّة التحمُّل وإِرَادَة التَّغيير، واعتَبَره البَعضُ أيقونةً سِياسيَّة مُهمَّة وِفقَ مُكوِّنات الثقافَة والحَضَارة الغربيَّة، بَل وَصَفهُ البعضُ بالنَّخبويَّة، لبُعدِه عَن الهُمُوم، وتميُّزه بالشُّرود التأمُّلي، واتَّخذته أيضًا بَعض الشَّرِكَات الغربيَّة وسيلةً دِعَائيَّة، وعَلَامَة تِجَاريَّة لتَسْوِيق مُنتَجَاتِها، وجَنيتْ بسَبَبهِ مِئَات المَلَايِين مِنَ الدُّولَارَات.
ارتَبَطتْ الحَيَاة الزِّراعيَّة والجَبليَّة عِندَنا بعَلَاقة حَمِيمَة مَع الحَمِير؛ فكَانَت تَلقَى عِنَايَة فَائِقَة مِنَ النَّاس، ويتمُّ تَربيتُها وتَدرِيبُها والعِنَاية بهَا، وقَد تَحمَّلت تِلك الدَّواب المُطِيعَة أعباءً ثَقِيلة قَبْل وُصُول السيَّارات، فيُحمَل عَلى ظُهُورها جَرب التُّمور، وجَوَاني الملح، وأَثوَاج الرَّمل والحَصَى والطِّين؛ وذَلِك عَبْر طُرُق وتَضَاريس وَعرَة جِدَّا، إضافة إلى نَقل قلات الطَّعام، أو القتِّ، وعُذُوق البسر والرُّطَب والجُذٌوع، والأَسمَاك الثَّقيلَة مِن شَاطِئ البَحْر إلى السُّوق.
وَمَن مِنَّا لا يَتذكَّر قِطَار تِلك القَوَافل التِّجاريَّة مِنَ الجِمَال والحَمِير فِي السُّوق القَدِيم؟! وَمَن مِنَّا لا يتذكَّر مُخيَّمات "السَّفافير" وحَمِيرهم تَحْت أَشْجَار الغَاف وَارِفة الظِّلال، المُطلَّة بجَمَالها الأخَّاذ على السُّوق القديم؟! هِي ذِكريَات وقِيمَة ثَقَافيَّة وفَنيَّة قَدِيمة رَاقِية، جسَّدتها حَيَاة وتَقَاليد ذَلِك السُّوق العريق، ونِدَاءَات بَاعتِه الفنيَّة والتسويقيَّة الرَّائعة، والتي وثَّقتها -بجَهْد مُتَواضِع- فِي الطَّبعَة الثَّالثة مِن كِتَاب "قُريَّات.. عَرَاقة التَّاريخ ورَوْعَة الطَّبيعَة"، والطَّبعَة الثَّانية مِن كِتَاب "قُريَّات.. مَلَامِح مِن التُّراثِ الزِّراعيِّ والبَحْريِّ".
تَميَّزت الحَمِير عِندنَا بأَلوانِها البرَّاقة، فأَكثرُها الأَبيض والرَّمَادي والأَشهَل والأَسوَد، وتُشكِّل ذَات اللونِ الأبيض الأَكْثَر شُهرَة ومَكَانة وقِيمَة، وكَانوا يُطعمونَها العُشب والقتَّ والنَّفِيعة وبَقَايا التُّمور، بَل يُسعِّطونَها السَّمنَ العُمانيَّ، لتَقويةِ جَسَدِها وعَضَلاتِها.
وتُكنَّى الحَمِير بـ"أبو صَابِر"؛ لصَبْرِها وتَحمُّلها للتَّعَب والمَشَاق، وعِند العَرَب أَسْمَاء أخرَى، وصَوتُها يُسمَّى عِندَنا بـ"الشَّحيج" والأَصَح هو النَّهِيق، وصَغِير الحُمَار يُسمَّى بـ"الجَحْش"، وأُنثَى الحِمَار تُسمَّى "حِمَارة" أو "أتَان"، وإِذَا ما أنجَبتْ أنثَى الحُصان مِن الحِمَار سُمِّي وَلدُها بـ"البَغْل"، وإذا مَا كَان بالعَكْس سُمِّي بـ"النَّغْل"، وَهِي كَلِمة قَدِيمَة مَيِّتة، لها دَلَالات أُخرَى بالدَّارجة.
تُهيَّأ للحَمِير أَمَاكِن أو مَرْبَط لاستِرَاحتِها؛ تَكُون عَادةً تُربَتُها ليِّنة، تُسمَّى مَرَاغة، تتقلَّب فِيهَا لدَعْك وتَدْلِيك جِسمِها وتَنظِيف جِلدِها، وتُزيَّن بمَجْلِس عَلى ظَهْرِها يُسمَّى بـ"الجواد أو الحِلس"، يَعلُوه أُكاف أو بَرْدَعة، أو أقتب، نُقِشَت بأَجْمَل الزَّخَارف، وكَذَلك هِي غَرضتها وخِطَامها أو مُقوِّدها الصُّوفي أو الفِضِّي المُزركَش، ويُعلَّق فِي رَقبتِهَا جلجلٌ صَغِيرٌ (جَرَس) يُصدِر صَوْتًا مُوسِيقيًّا جَمِيلًا، ليُسلِّيها فِي سَيْرِها، وللتعرُّف عَلى مَكَان تَوَاجُدها إِذَا مَا أُخْرِجَت للمَرْعَى.
لَمَ يَعُد للحِمَار اليَوم حَاجَة؛ فَهُو يَهِيم -بِلا رِعَايَة- فِي الفَلَاة والصَّحَاري والبَوَادِي لوَحدِه، مُستَريحًا مِن قَسْوَة ومَشقَّة تِلكَ الحَيَاة الصَّعبَة، ونَسِي الكَثِيرُ الدَّورَ الذي كَانت تَلعبُه تِلكَ الحَيوانَات الأَليفَة فِي حَيَاتِنا، وسُلَالتِها العُمانيَّة مُعرَّضة للانقِرَاض فِي ظلِّ هَذَا الإِهمَال والنِّسيَان.. ولَكِن تَبقَى ذَاكِرتُها وخَدَماتُها مَاثِلةً فِي الذَّاكِرة، كُلَّما استَعَاد الإِنسانُ مَرَاحِل عُمرِه، وتفكَّر كَيْف نَقلَت تِلك الجَنَادل والصُّخور لطَوي الطُّويان، وبِنَاء قُصُور الطِّين وبُيُوت الصَّارُوج، وكَذَلِك لتَشيِيد تِلك القِلَاع والأَبْرَاج الشَّامِخَة، الرَّابِضَة عَلى قِمَم الجِبَال.
الحَمِير مُنذ الأَلف الرَّابِعة قَبْل المِيلَاد هِي رَفِيقَة الإِنسَان، بَعْد أنْ استَطَاع أنْ يَستَأنِسها، لتَكُون لَه خَيْر مُعِين فِي تَنقُّلاته وحَمْل أَثقَالِه، مُدْرِكًا أهمِّيتها ودَوْرَها، مُتمتِّعًا بجَمَال قَوَامِها ومَنْظَرِها، لأنَّها إِحْدَى فَصَائل الخُيُول البَريَّة، التِي تضمُّ الأَحْصِنَة المُستَأنسَة والحَمِير الوَحشيَّة والبِغَال.
للحِمَار قِيمةٌ ثَقَافيَّة فِي التَّاريخ البَشَري، ولَكِن للأَسَف اعتَاد الكَثِير مِنَ النَّاس عَلَى وَصْف الحِمَار بالغَبَاء والبَلَاهَة، فِيمَا هُو مِنَ الحَيَوانات الأَلِيفَة والذَّكية، ويَعُدُّه البعضُ رَمزًا وشِعَارًا للثَّورة والعِنَاد والمُثَابَرة وقوَّة التحمُّل وإِرَادَة التَّغيير، واعتَبَره البَعضُ أيقونةً سِياسيَّة مُهمَّة وِفقَ مُكوِّنات الثقافَة والحَضَارة الغربيَّة، بَل وَصَفهُ البعضُ بالنَّخبويَّة، لبُعدِه عَن الهُمُوم، وتميُّزه بالشُّرود التأمُّلي، واتَّخذته أيضًا بَعض الشَّرِكَات الغربيَّة وسيلةً دِعَائيَّة، وعَلَامَة تِجَاريَّة لتَسْوِيق مُنتَجَاتِها، وجَنيتْ بسَبَبهِ مِئَات المَلَايِين مِنَ الدُّولَارَات.
ارتَبَطتْ الحَيَاة الزِّراعيَّة والجَبليَّة عِندَنا بعَلَاقة حَمِيمَة مَع الحَمِير؛ فكَانَت تَلقَى عِنَايَة فَائِقَة مِنَ النَّاس، ويتمُّ تَربيتُها وتَدرِيبُها والعِنَاية بهَا، وقَد تَحمَّلت تِلك الدَّواب المُطِيعَة أعباءً ثَقِيلة قَبْل وُصُول السيَّارات، فيُحمَل عَلى ظُهُورها جَرب التُّمور، وجَوَاني الملح، وأَثوَاج الرَّمل والحَصَى والطِّين؛ وذَلِك عَبْر طُرُق وتَضَاريس وَعرَة جِدَّا، إضافة إلى نَقل قلات الطَّعام، أو القتِّ، وعُذُوق البسر والرُّطَب والجُذٌوع، والأَسمَاك الثَّقيلَة مِن شَاطِئ البَحْر إلى السُّوق.
وَمَن مِنَّا لا يَتذكَّر قِطَار تِلك القَوَافل التِّجاريَّة مِنَ الجِمَال والحَمِير فِي السُّوق القَدِيم؟! وَمَن مِنَّا لا يتذكَّر مُخيَّمات "السَّفافير" وحَمِيرهم تَحْت أَشْجَار الغَاف وَارِفة الظِّلال، المُطلَّة بجَمَالها الأخَّاذ على السُّوق القديم؟! هِي ذِكريَات وقِيمَة ثَقَافيَّة وفَنيَّة قَدِيمة رَاقِية، جسَّدتها حَيَاة وتَقَاليد ذَلِك السُّوق العريق، ونِدَاءَات بَاعتِه الفنيَّة والتسويقيَّة الرَّائعة، والتي وثَّقتها -بجَهْد مُتَواضِع- فِي الطَّبعَة الثَّالثة مِن كِتَاب "قُريَّات.. عَرَاقة التَّاريخ ورَوْعَة الطَّبيعَة"، والطَّبعَة الثَّانية مِن كِتَاب "قُريَّات.. مَلَامِح مِن التُّراثِ الزِّراعيِّ والبَحْريِّ".
تَميَّزت الحَمِير عِندنَا بأَلوانِها البرَّاقة، فأَكثرُها الأَبيض والرَّمَادي والأَشهَل والأَسوَد، وتُشكِّل ذَات اللونِ الأبيض الأَكْثَر شُهرَة ومَكَانة وقِيمَة، وكَانوا يُطعمونَها العُشب والقتَّ والنَّفِيعة وبَقَايا التُّمور، بَل يُسعِّطونَها السَّمنَ العُمانيَّ، لتَقويةِ جَسَدِها وعَضَلاتِها.
وتُكنَّى الحَمِير بـ"أبو صَابِر"؛ لصَبْرِها وتَحمُّلها للتَّعَب والمَشَاق، وعِند العَرَب أَسْمَاء أخرَى، وصَوتُها يُسمَّى عِندَنا بـ"الشَّحيج" والأَصَح هو النَّهِيق، وصَغِير الحُمَار يُسمَّى بـ"الجَحْش"، وأُنثَى الحِمَار تُسمَّى "حِمَارة" أو "أتَان"، وإِذَا ما أنجَبتْ أنثَى الحُصان مِن الحِمَار سُمِّي وَلدُها بـ"البَغْل"، وإذا مَا كَان بالعَكْس سُمِّي بـ"النَّغْل"، وَهِي كَلِمة قَدِيمَة مَيِّتة، لها دَلَالات أُخرَى بالدَّارجة.
تُهيَّأ للحَمِير أَمَاكِن أو مَرْبَط لاستِرَاحتِها؛ تَكُون عَادةً تُربَتُها ليِّنة، تُسمَّى مَرَاغة، تتقلَّب فِيهَا لدَعْك وتَدْلِيك جِسمِها وتَنظِيف جِلدِها، وتُزيَّن بمَجْلِس عَلى ظَهْرِها يُسمَّى بـ"الجواد أو الحِلس"، يَعلُوه أُكاف أو بَرْدَعة، أو أقتب، نُقِشَت بأَجْمَل الزَّخَارف، وكَذَلك هِي غَرضتها وخِطَامها أو مُقوِّدها الصُّوفي أو الفِضِّي المُزركَش، ويُعلَّق فِي رَقبتِهَا جلجلٌ صَغِيرٌ (جَرَس) يُصدِر صَوْتًا مُوسِيقيًّا جَمِيلًا، ليُسلِّيها فِي سَيْرِها، وللتعرُّف عَلى مَكَان تَوَاجُدها إِذَا مَا أُخْرِجَت للمَرْعَى.
لَمَ يَعُد للحِمَار اليَوم حَاجَة؛ فَهُو يَهِيم -بِلا رِعَايَة- فِي الفَلَاة والصَّحَاري والبَوَادِي لوَحدِه، مُستَريحًا مِن قَسْوَة ومَشقَّة تِلكَ الحَيَاة الصَّعبَة، ونَسِي الكَثِيرُ الدَّورَ الذي كَانت تَلعبُه تِلكَ الحَيوانَات الأَليفَة فِي حَيَاتِنا، وسُلَالتِها العُمانيَّة مُعرَّضة للانقِرَاض فِي ظلِّ هَذَا الإِهمَال والنِّسيَان.. ولَكِن تَبقَى ذَاكِرتُها وخَدَماتُها مَاثِلةً فِي الذَّاكِرة، كُلَّما استَعَاد الإِنسانُ مَرَاحِل عُمرِه، وتفكَّر كَيْف نَقلَت تِلك الجَنَادل والصُّخور لطَوي الطُّويان، وبِنَاء قُصُور الطِّين وبُيُوت الصَّارُوج، وكَذَلِك لتَشيِيد تِلك القِلَاع والأَبْرَاج الشَّامِخَة، الرَّابِضَة عَلى قِمَم الجِبَال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.