الجمعة، 20 مارس 2020

مِنْ تُرَاثِنا الثَّقَافِي

هَذِه الصُّوَر لجَانِب مِن فَلَج الحِيل القَدِيم.. استَقْصَيتُ مَسَار هَذَا الفَلَج مِن أَوَّله إلى آخِره مَشيًا وبالسَّيارة لِعدَّة مَرَّات مُنذ سَنَوات طَوِيلَة، ومرَّة كِدنَا نَغرَق في إحدَى البِرَك المائيَّة فِي مَسَاره، وقَد دَوَّنتُ تَفَاصِيل هَذِه الحَادِثة مِن قَبْل.
تَأمَّلتُ هَنْدَسة هَذَا الفلَج المِعمَاريَّة الرَّائعة، مُحتَضِنًا سَاقِيته المُتهدِّمة، المُعتَّقة برَائِحة الطِّين والصَّاروج، المُزدَانة برُوح الطَّبيعَة، والمَوسُومة بجَمَال ورُقي الإِبدَاع الإنسَاني، واستَمعتُ إليهِ مُنصِتًا ومُصغِيًا، ليَبُوح لِي سرَّ حِكَايتِه أو أسطُورتِه القَدِيمة، وهِي مُوثَّقة عَبْر كِتَاب "قُريَّات.. عَرَاقة التَّارِيخ ورَوْعَة الطَّبِيعَة" فِي طَبْعَته الثَّالِثة، وكَذَلك فِي الطَّبعَة الثَّانِية مِنْ كِتَاب "قُريَّات.. مَلَامِح مِنَ التَّراثِ الزِّراعيِّ والبَحْريِّ"، وأيضًا عَبْر تَدْوينَات هَذِه الصَّفحَة المُتَواضِعَة، مرئيًّا وصُورَة وكَلِمَة، وَمَن أَرَاد التَّفَاصِيل فليَرْجِع إليهَا.
مَا استَوقفنِي كَثِيرًا كَثْرَة تِقنية "غرّاق وفلّاح" عَبْر مَسَار هَذَا الفَلَج الأثري.. فمَا هُو الغرّاق والفلّاح، وفقًا لمُصطَلحِنَا الزِّراعيِّ المحليِّ المُتدَاوَل مُذ القِدَم؟
هِي تِقنِيَة قَدِيمَة، عَرفَها المُزَارعُون ومُهندسُو الأَفلَاج في عُمان؛ للتغلُّب عَلى عَوَائِق مَجَارِي المِيَاه؛ سواءً كانتْ سَاقِية لفَلَج مبنيَّة مِنَ الحَصَى والصَّارُوج، أو عَامِد تُرَابي فِي ضَاحِية مِنَ الضَّوَاحي.
فَإِذا مَا صَادَف وُجُود مُرتَفَع صَخْرِي يَحُول بَيْن بِنَاء السَّاقِية، وانسِيَاب وتَدفُّق المِيَاه بسهُولَة، أو إِذَا كَانَت الأرضيَّة غَير مُستويَة.. هُنَا تُستخدَم هَذِه التَّقنيَة.
وهِي عِبَارة عَن تَفعِيل جَاذبيَّة الأَرْض وضَغْط المِيَاه فِي ذَلك؛ فتُبنى فَتْحَة فِي الأَرْض فِي جِهَة تُسمَّى "غرّاق"، وفِي الجَانِب الآخَر فَتْحَة أخرَى تُسمى "فلّاح"، وتُربَط بسَاقِية تَحْت الأَرْض، فيَنسَكبُ المَاء مِن فَتحَة، لينفَذ بقُوَّة مِنَ الفَتْحَة الأخرَى.. وقِيل: غرّاق فلّاح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.