اعتمدت عُمان، مُنذ فجر التاريخ، على جُهُودها
وإمكاناتها في التنمية الإنسانية، وشهدت عبر تاريخها المجيد فترات من الازدهار
الاقتصادي والثقافي والمعرفي، وحققت العديد من الإنجازات الحضارية والإنسانية في
شتى مجالات الحياة، وقد ارتبطت تلك الإنجازات بالإنسان وقُدرته على المُثابرة
والعطاء ومُواكبة مُتطلبات عصره، من أجل تحقيق تنمية مُستدامة واستقرار اجتماعي،
إضافة إلى وُجُود نظام سياسي وإداري مُفعم بالنشاط والحيوية، ويتسمُ بالكفاءة
والفاعلية، وعمل بإخلاص في بناء الهيكل الأساسي للمُجتمع، والوفاء بمُتطلبات
واحتياجات المُواطنين.
وتُشير الدراسات والشواهد التاريخية (الفكرية
والمادية) بأن الحضارة العُمانية الراقية والمُزدهرة عبر المراحل الزمنية القديمة قد
أعطت أُنمُوذجًا إيجابيا تجاه العمل التنموي، الذي اتصف برُوح المُبادرة، والعمل
الجاد، والاستقلالية، والمُثابرة، والإبداع والابتكار، والاعتماد على الذات، وذلك
وفق قيم ومبادئ ومفاهيم حضارية، ترتكز على تطبيق قيم الإيمان، ومكارم الأخلاق، والعدالة،
والمُساواة، والشورى، والأمانة، والإحسان، والإخلاص، والصبر، والتعاوُن، وتُؤمن
بالمُشاركة وحُرية الرأي والحُوار والرأي الآخر، وبمبدأ الاعتدال والإصلاح؛ بما يُحقق
كرامة الإنسان والنهُوض بفكره ومعارفه من أجل بناء الحضارة الإنسانية.
ويُعتبر يوم 23 يُولُيو من العام 1970م، أحد
الأيام التاريخية المجيدة في عُمان؛ حيثُ أعاد لعُمان مكانتها الحضارية بين الأُمم،
وبدأت من خلاله نهضة حديثة وتنمية شاملة من أجل الإنسان العُماني الذي هُو أيضًا
أداتُها وصانعُها. وقد حرص قائدُ هذه النهضة المُباركة جلالة السلطان قابُوس بن
سعيد المُعظم -حفظه اللهُ ورعاه- على تهيئة كافة الظرُوف السياسية والأمنية
والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ من أجل بناء الإنسان، وتحقيق الإنجازات
العظام، والتي أسهمت في تغيير وجه الحياة في عُمان، وإعادة أمجادها التاريخية المُشرقة.
وأصبحت عُمان في ظل هذه النهضة الحديثة ترفلُ بثوب
العزة والمجد والفخار والسؤدُد، في شتى مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛
من خلال خدمات مُتكاملة عمت جميع أرجاء السلطنة، ومُحققة تنمية شاملة ومُستدامة، هدفُها
البناء والإنجاز، وغايتُها تحقيق تنمية بشرية مُتنامية، وتوفير حياة كريمة للمُواطن
العُماني، مُتمتعًا بكامل حُقُوقه الوطنية والإنسانية، وأتاحت لهُ فُرصة المُشاركة
في البناء والتعمير، والتفاعُل بإيجابية مع مُحيطه الحضاري والإنساني.
وكانت مُرتكزاتُ النهضة الحديثة في عُمان مُنذ
انطلاقتها هي: الاستثمار في تنمية وتطوير الموارد البشرية؛ لكونها الخيار
الإستراتيجي لبُلُوغ الغايات السامية للتنمية، وتثبيت مبادئ الحق والعدالة،
والاهتمام بالبنية الأساسية، وإقامة دولة القانُون والمُؤسسات، والعمل على إدارة
موارد البلاد وإمكانياتها بطريقة تحقق أفضل استخدام مُمكن لها، بالإضافة إلى
التفاعُل مع الظرُوف المتغيرة للمُجتمع والاتجاهات العامة للمبادئ الإنسانية
الكونية وفق خُطُوات مدرُوسة، وبتطبيق أسلوب الواقعية في التفكير والتنفيذ لكافة خُطط
التنمية في البلاد.
وعندما نتأمل في إنجازات النهضة المُباركة مُنذ العام
1970م، التي عمادُها ومحورُها الإنسانُ العُماني صناعةً وصياغة، نجد أنها مرت بمراحل
مُختلفة من التطوير والتجديد، وفي إطار من التدرج المنطقي والعقلاني، الذي يُراعي ظرُوف
وواقع المُجتمع وثوابته الراسخة، ومُعطيات الحاضر والرؤية المُستقبلية للتنمية، مع
الحفاظ على مُرتكزات وإنجازات الماضي العريق.
وتُمثل المرحلةُ الأولى للتنمية في عُمان في
الفترة من العام 1970م إلى العام 1974م، والتي يُمكن أن نُطلق عليها مرحلة التأسيس
والتكوين لبناء الدولة العصرية. وقد ركزت هذه المرحلةُ على التسريع في تكوين
البنية الأساسية للتنمية، وتوفير الخدمات الأساسية للمُواطنين كالتعليم والصحة
والكهرباء والمياه والمُواصلات، بالإضافة إلى مُواجهة كافة التحديات بتسامُح
وواقعية، وبحكمة وعقلانية، وبُعد نظر ورُؤى سديدة بما يُحقق مبدأ الوحدة الوطنية.
وكذلك الانفتاح على العالم الخارجي بتوسيع نطاق
علاقات السلطنة مع مُختلف الدول الشقيقة والصديقة والمُنظمات الدولية، وتأكيد
الانتماء العربي والإسلامي؛ وذلك على أُسس متينة وراسخة، ترتكزُ على مبادئ العدل، والسلام،
والتعاوُن المُشترك، والاحترام المُتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية،
والالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية، والعمل على حل الخلافات الدولية بالحُوار
والحكمة، وعلى أساس مبدأ "لا ضرر ولا ضرار". كما استطاعت السلطنة من
خلال مُفاوضات هادئة وعقلانية وواقعية إنهاء كافة الخلافات العالقة بشأن الحُدُود
البحرية والبرية مع كافة جيرانها، وقدمت السلطنة بذلك أُنمُوذجًا راقيًا في تحسين
وتطوير علاقاتها مع كافة دُول العالم.
كما تُمثلُ المرحلة الأُولى من عُمر النهضة
المُباركة البداية الحقيقية للتشريعات الحديثة في سلطنة عُمان؛ وذلك من خلال
صُدُور أول مجمُوعة من القوانين التي تحكُم العلاقات الإنسانية والأنشطة المُختلفة
في الدولة، وترسيخ مبادئ الحق والعدالة، بالإضافة إلى وضع قواعد راسخة لتنظيم
مسيرة العمل الوطني في البلاد، وتجلى ذلك في إنشاء أهم مُكونات السلطة التنفيذية
للجهاز الإداري للدولة، والتي تُمثلت في تشكيل مجلس للوُزراء وتأسيس العديد من
الوحدات الحُكُومية، وتطوير أجهزة الدولة ووظائفها المُختلفة (المدني، والأمني،
والعسكري)، وركزت هذه المرحلة أيضًا على استيعاب الموارد البشرية العُمانية،
وتأهيلها لتحمل مسؤُولية التخطيط والبناء.
وفي العام 1975م، بدأت النهضةُ المُباركةُ مرحلتها
الثانية في طريق تحقيق التنمية الإنسانية، والتي يُمكن أن نُطلق عليها مرحلة
التطوير والتحديث النوعي والتخطيط المنهجي للتنمية. وإدراكًا بأهمية وُجُود جهاز
إداري عصري وقوي، وقادر على إدارة مسيرة التنمية الإنسانية في البلاد بصُورة تتفق
مع رُؤية جلالة السلطان المُعظم لبناء حُكُومة عصرية، فقد أصدر جلالتُه مرسُومًا
سلطانيا في شهر يناير من العام 1975م، الذي قضى بتشكيل لجنة للنظر في تنظيم الجهاز
الإداري للدولة، وكُلفت أيضًا بإعادة النظر في قوانين الخدمة المدنية، وتنظيم
الجهاز الإداري للدولة، وتحديد اختصاصات الوزارات والدوائر الحُكُومية.
وتكللت أعمالُ هذه اللجنة بصُدُور قانُون تنظيم
الجهاز الإداري للدولة بمُوجب المرسُوم السلطاني رقم 75/26، وهُو أول قانُون عصري
يُعنى بتحديد اختصاصات أجهزة السلطة التنفيذية، والقواعد القانُونية التي يعملُ بمُوجبها
الجهازُ الإداري للدولة في السلطنة، واستنادًا إلى هذا القانُون صدرت العديدُ من
القوانين الجديدة، واستُحدثت مجمُوعةٌ من التشريعات، وتم تعديل قوانين قائمة. وتلك
اللجنةُ أيضًا هي التي صاغت أول قانُون للخدمة المدنية لسنة 1975م، والذي حقق مُشاركة
فاعلة في التنمية البشرية وإدارة رأس المال الفكري في البلاد بكفاءة وفاعلية.
كما ركزت مسيرةُ النهضة المُباركة مُنذ العام
1976م على الأخذ بمبدأ التخطيط الإستراتيجي الذي يُمثل الأداة الرئيسية لبناء
الدولة العصرية، وإرساء دعائم التنمية على أسس علمية. وفي هذا الإطار، صدر قانُون
التنمية الاقتصادية لسنة 1975م، وعملت السلطنة على وضع الخُطط الخمسية للتنمية،
التي بدأت ملامحُها الأُولى للسنوات (1976-1980)، وهي أول خُطة خمسية عرفتها
السلطنة في تاريخها القديم والحديث، وذلك وفق مُرتكزات وأهداف مُحددة، تتم صياغتُها
من واقع وظرُوف المُجتمع الاقتصادية والاجتماعية.
وقد اتخذت السلطنة في هذا الإطار العديد من جوانب
التطوير والتحديث والتغيير في مسار التنمية الشاملة، بالإضافة إلى تكملة مشرُوعات
وبرامج البنية الأساسية للدولة العصرية، وعملت على بناء اقتصاد وطني قوي ومُتنوع
وشريك أساسي في تحقيق التنمية الشاملة بجانب الحُكُومة والقطاعات الأهلية. كما
اتسعت أنشطةُ الدولة في تقديم مُختلف الخدمات للمُواطنين؛ وذلك وفق خُطُوات مدرُوسة
تقُوم على المُثابرة والجدية في العمل، ومعرفة مُتطلبات الواقع المُعاش، والأخذ
بمعايير التحليل والتقييم المُستمر لتلك الأنشطة؛ بهدف التطوير والتحسين لمُستوى
الأداء في مسيرة التنمية الإنسانية المُستدامة.
ومع صُدُور النظام الأساسي للدولة بمُوجب المرسُوم
السلطاني رقم 96/101، بدأت مسيرة التنمية الإنسانية في عُمان مرحلةً جديدة؛ فقد
أرسى النظامُ الأساسي للدولة دعائم الدولة العصرية، وأسهم في ترسيخ وتدعيم دولة
القانُون والمُؤسسات، وأصبح القاعدة الرئيسية التي يرتكزُ عليها نظامُ الدولة
القانُوني، والمرجع الأساسي لكافة القوانين والسياسات العامة.
ووضع النظامُ الأساسي للدولة أسسًا راسخة ومبادئ مُحددة
لشكل الدولة وسُلُطاتها العامة، ونظام الحُكم القائم في السلطنة، الذي يقُوم على أساس
العدل والشورى والمُساواة. وهُو في نفس الوقت يُمثل الإطار المرجعي الذي يحكُم عمل
السلُطات المُختلفة ويفصل فيما بينها، وتستمد منه أجهزة الدولة المُختلفة (الجهاز
المدني، جهاز الأمن، الجهاز العسكري) أسس ونطاق عملها، ويُوفر أقصى حماية وضمانات
للحفاظ على حُرية الفرد وكرامته وحُقُوقه، ويُحدد المبادئ العامة لسياسة الدولة في
مُختلف المجالات، وكذلك الواجبات العامة للأفراد وحُقُوقهم.
ومع صُدُور النظام الأساسي للدولة أيضًا، دخلت
السلطنة مرحلة مُهمة أكثر تقدمًا في التطوير لدولة حديثة وعصرية ترتكزُ على
المُؤسسات وقيم العدل والمُساواة وحُكم وسيادة القانُون وترسيخ مفهُوم المُواطنة واحترام
حُقُوقها، وتكافُؤ الفُرص للجميع، وترسيخ مبدأ المُشاركة الوطنية للمُواطنين في
الشؤون العامة؛ من خلال تثبيت دعائم الشورى الصحيحة والراسخة، والنابعة من تُراث
الوطن وقيمه وشريعته الإسلامية، وآخذة بالمُفيد من أساليب وأدوات العصر.
وضمن هذا الإطار، فقد أخذت تجربة الشورى في عُمان -سواءً
من حيث المُمارسة، أو أُطُرها التنظيمية- مسارًا متناميًا طوال عهد النهضة
المُباركة، وأخذت في تطبيقها أساليب مُختلفة، واتسمت بالتطوير والتجديد عبر مراحل مُتعاقبة،
ووفق تدرج واقعي ومدرُوس من قبل القيادة الحكيمة، وعلى أُسُس ثابتة وراسخة، مُستمدة
من واقع الحياة وظرُوف المُجتمع العُماني ومُتطلبات التنمية، وُصُولا إلى مرحلة
الانتخابات المُباشرة لكافة أعضاء مجلس الشورى من جانب المُواطنين في الولايات؛ وذلك
وفق قواعد وأُسُس مُحددة ومُعلنة، تتمتع فيها المرأةُ العُمانية بحق الانتخاب
والترشح على قدم المُساواة مع الرجُل لعُضوية المجلس.
كما شهدت السلطنة في هذه المرحلة من مسيرة التنمية
الإنسانية نقلةً نوعيةً في إصدار وتعديل وتطوير القوانين والتشريعات والأنظمة؛ بما
يتفق مع النظام الأساسي للدولة، وترسيخ مبادئ الدولة العصرية، وكان على رأسها
صُدُور قانُون السُلطة القضائية الصادر بمُوجب المرسُوم السلطاني رقم 99/90،
وإنشاء المجلس الأعلى للقضاء، وتكامُل منظُومة القضاء العُماني تنظيميا وقانُونيا.
كما شهدت هذه المرحلة تطور الجهاز الإداري للدولة وإعادة الهيكلة والتنظيم لعدد من
الأجهزة الحُكُومية القائمة؛ وذلك بهدف الارتقاء بمُستوى الخدمات التي يُقدمُها
للمُواطنين.
وبالإضافة إلى ذلك، شرعت الدولة في تعزيز وزيادة
اهتمامها بتنمية الموارد البشرية التي هي أساسُ التنمية المُستدامة وعمادُها،
مُرتكزةً في ذلك على العمل المؤسسي وسيادة القانُون وتكامُل الأدوار بين الحُكُومة
والمُواطن وكافة القوى الفاعلة في البلاد، وعملت على بناء وتعزيز ورُقي الاقتصاد
الوطني القائم على العدالة والتعاوُن البناء والمُثمر مع النشاط العام؛ كونه شريكًا
أساسيا في تحقيق التنمية الشاملة والمُستدامة، إلى جانب الحُكُومة والقطاع الأهلي.
وركزت مسيرة التنمية على تطوير وتشجيع مُؤسسات
المُجتمع المدني؛ إدراكًا للدور المُهم الذي تقُوم به في خدمة المُجتمع، ولكونها
تُشكلُ إحدى مُقومات الدولة العصرية، وأصبحت تلعب دورًا أساسيا ورئيسيا مع
الحُكُومة في رسم وتنفيذ السياسات العامة والخُطط التنموية. كما أن ذلك التوجه يُعد
تواصُلا مع التراث العُماني العريق الذي عرف مُنذ آلاف السنين أشكالًا من المُمارسات
التي تقُوم على التكافُل والتعاوُن بين مُختلف شرائح المُجتمع، ويأتي على رأسها: نظام
الوقف، ونظام الأفلاج، وتعاوُنيات أصحاب المهن والحرف التقليدية، والعديد من
اللجان الأهلية الأُخرى.
وقد أكد جلالة السلطان المُعظم في أكثر من مُناسبة
على أهمية مُشاركة وتعاوُن القطاعين الحُكُومي والأهلي، وكذلك القطاع الخاص؛ بما
يخدُم أهداف التنمية الشاملة. حيث يقُول جلالتُه -حفظه اللهُ وأبقاه- عام 1998م بمُناسبة
عام القطاع الخاص: "إن نجاح أية تنمية، وإنجازها لمقاصدها، إنما هُو عملٌ مُشترك
بين أطراف ثلاثة: الحُكُومة، والقطاع الخاص، والمُواطنين. وعلى كل طرف من هذه الأطراف
أن يتحمل واجباته برُوح المسؤُولية، التي لا ترقى الأممُ في درجات التقدم والتطور
إلا إذا تحلت بها، ولا تهوى في دركات التخلف والتأخُر إلا إذا تخلت عنها"،
وقد عمل جلالُته -حفظه اللهُ- مُنذ انطلاقة النهضة المُباركة، على تثبيت حُكم
ديمقراطي عادل، في إطار واقعنا العُماني العربي، وحسب تقاليد وعادات مُجتمعنا، وفي
ضوء تعاليم الدين الإسلامي.
وشهدت السلطنة -مُنذ العام 2011م- مرحلةً جديدةً، ونقلةً
نوعيةً في مسيرة التنمية الإنسانية في عُمان؛ فقد تم تعديلُ بعض مواد وأحكام النظام
الأساسي للدولة؛ وذلك استجابةً لمُقتضيات ومُتطلبات التطور الاجتماعي والمؤسسي
للنهضة المُباركة، والتي أكدت على توسيع نطاق مُشاركة المُواطن في اتخاذ القرارات
الوطنية، وتجلى ذلك في توسيع صلاحيات مجلس عُمان: التشريعية، والرقابية.
كما شهدت هذه المرحلة: تأكيد استقلالية القضاء عن
السُلطة التنفيذية، وتفعيل دور جهاز الرقابة المالية والإدارية، وإجراء إصلاحات
وتغييرات عديدة شهدها القطاعُ الحُكُومي؛ من أجل الارتقاء بالخدمات التي يُقدمها
للمُواطنين.
بالإضافة إلى تطوير نظام المُحافظات ضمن تقسيم
إداري جديد للسلطنة، وإنشاء المجالس البلدية في المُحافظات، وتشكيلها بطريقة
الانتخابات المُباشرة من جانب المُواطنين في الولايات؛ وذلك بهدف تعزيز المُشاركة
الفاعلة في حركة التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.
كما شهدت مسيرةُ التنمية الإنسانية في عُمان
انطلاقةً جديدة تجاه الاستثمار في الموارد البشرية بالتوسع في مجال التعليم العالي
والتدريب والتأهيل، وتنويع مصادر الدخل القومي، وتشجيع الاستثمار في القطاعات
الإنتاجية المُختلفة، وتحفيز القطاع الخاص على أداء دور أكبر في نُمو الاقتصاد
الوطني وتنمية المُجتمع، والمُشاركة بفاعلية في اقتصاديات المعرفة العالمية،
ومُجابهة تحديات العولمة من خلال تطوير القُدرات الوطنية، وتأهيلها بما يُواكب عصر
التقدم المعرفي والتكنُولُوجي، إضافة إلى التركيز على التنمية الاجتماعية وتنشيط
الاقتصاد.
كما تم تأسيسُ مجلس أعلى للتخطيط برئاسة جلالة
السلطان؛ بهدف وضع الإستراتيجيات والسياسات اللازمة لتحقيق التنمية المُستدامة في
السلطنة، وإيجاد الآليات التي من شأنها تطبيق تلك الإستراتيجيات والسياسات، وُصُولا
إلى تحقيق التنوع الاقتصادي والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية المتاحة.
ولتوفير البيانات والمعلُومات الإحصائية عن السلطنة، فقد تم إنشاءُ المركز الوطني
للإحصاء والمعلُومات يتبع المجلس الأعلى للتخطيط.
وضمن اهتمام جلالة السلطان المُعظم -حفظه اللهُ
ورعاه- بتوفير سُبُل العيش الرغيد والحياة الكريمة للمُواطن العُماني، وتحقيقًا
لمبدأ العدالة والمُساواة بين مُوظفي الدولة، فقد أصدر جلالته أوامره السامية هذا
العام بتوحيد جدول الدرجات والرواتب لمُوظفي القطاع المدني بوحداته وهيئاته
ومُؤسساته؛ اعتبارًا من الأول من شهر يناير عام 2014م، بالإضافة إلى تعزيز منافع
المعاشات التقاعدية وفقًا لنظام التقاعُد الخاص بموظفي ديوان البلاط السلطاني،
وتشكيل لجنة لإعادة دراسة قانُون الخدمة المدنية؛ بهدف الارتقاء بهذا القطاع
الحيوي المهم في الدولة.
كما عملت الدولة على خلق المزيد من فُرص العمل في
القطاعين العام والخاص؛ لاستيعاب الموارد البشرية المُؤهلة، وعُدلت الكثيرُ من
القوانين واللوائح؛ بهدف تقريب الحوافز والمزايا بين العاملين في مُختلف تلك
القطاعات. وتم التركيزُ على أهمية الارتقاء بمُستوى المُؤسسات الصغيرة والمُتوسطة،
وتشجيع الشباب على ريادة الأعمال، والعمل على توفير كافة السبُل لنجاح هذا التوجه؛
حيث تم إنشاء صُندُوق الرفد لتقديم الدعم المعنوي والتمويل المالي لهذه المشاريع
الاقتصادية.
وهكذا.. تتواصل مسيرةُ التنمية الإنسانية في عُمان
بثبات؛ لتدخُل مرحلةً جديدة من البناء والتطوير والتجديد لدولة حديثة وعصرية، وهي
تقفُ اليوم بشُمُوخ وكبرياء لمُواجهة كافة التحديات؛ وذلك من خلال جُهُود مُتواصلة
ورُؤية واضحة ورسالة سامية وغايات وأهداف نبيلة لخدمة هذه الأمة؛ من أجل مُستقبل مُشرق
لأبناء عُمان، وبناء تنمية شاملة تواكب العصر الذي يعيشُون فيه.
ومن الواجب الوطني في هذه المرحلة الحالية
والمُستقبلية بذل المزيد من الجهد والعطاء، والعمل الجاد والمُثابرة والإخلاص
والصبر؛ من أجل خدمة ونهضة عُمان؛ وذلك من خلال تلاحُم قوي بين كافة أطراف صناعة
التنمية الإنسانية، وبإرادة راسخة، وعزم أكيد، وهمة عالية من قبل جميع أبناء هذا
الوطن العزيز؛ بهدف تحقيق المزيد من التقدم والرخاء والنماء والإنجازات المُشرقة
للتنمية المُستدامة، في ظل قيادتنا الحكيمة.
فرعى اللهُ مسيرة النهضة المُباركة، وكُل عام
وعُمان وقائدها المُفدى بألف خير...،