تَعكسُ المكتبات الثقافية، وانتشارها في الأحياء
والمدن والتجمعات السكانية، مدى التطوُّر والتقدُّم الثقافي والمعرفي لأي مُجتمع
إنساني؛ حيث إن المكتبة تُمثل مرفقًا مهمًّا من مرافق نشر العلم والمعرفة، وتلعب
دورا رئيسيا تجاه بناء الفكر ونشر المبادئ والمفاهيم والقيم الإنسانية، إضافة إلى
رفع مُستوى كفاءة الأداء وفاعلية الإنتاج.
وتُشكِّل المكتبات أيضًا أهمية كبيرة تجاه تطوير التعليم
والمفاهيم الإنسانية؛ لما تقدمه من معلُومات مُختلفة، ولكونها مُرتكزًا مهمًّا
للكثير من المناهج والبرامج والأنشطة التعليمية؛ ولهذا ينصَح الكثير من المُفكرين
والتربويين بإيجاد ارتباط مهم بين المناهج التعليمية وما تحتويه المكتبات -خاصة
المدرسية منها- وذلك لما تقوم به المكتبات من دور فاعل تجاه تحقيق الأهداف
التربوية والتعليمية، وعلى مُختلف مُستوياتها واتجاهاتها الفكرية.
كَمَا تُشكل المكتبات إحدى الوسائل الإيجابية
لبناء الفرد والمُجتمع؛ كونها أحد المصادر الرئيسية لتبادل الثقافات والمعلُومات
بين الشعُوب، وهي في الوقت نفسه مرآة تُعبر عن المسيرة الإنسانية للمُجتمعات،
وتقدم أحدث ما يتوصَّل إليه العلم الحديث من علوم معرفية واكتشافات حديثة في
مُختلف مجالات الحياة.
هَذَا وقد عملتْ الكثيرُ من المُجتمعات على تهيئة
الظرُوف المناسبة لإقامة مكتبات ثقافية ومعرفية في مُختلف المدن والأحياء؛ بهدف
تشجيع المواطنين على القراءة والاطلاع في مُختلف المجالات الثقافية والأدبية
والعلمية، ومُتابعة أحدث الإصدارات في مُختلف مجالات الفُنُون العصرية.
بَعْض الدول عملتْ على تطبيقِ منهجية جميلة في نشر
المكتبات العامة؛ حيث قامت بإنشاء مكتبة عامة كبيرة ورئيسية في كل منطقة جُغرافية،
تنبثقُ منها مكتبات مُتوسطة في مُختلف الأحياء السكنية، وتكون تحت إشراف تلك المكتبة
الرئيسية، وتعمل البلدية والمجلس البلدي في الإشراف على تمويل تلك المكتبات
بالتعاوُن مع القطاع الخاص.
لقد حان الوقت لأن تُعْطَى المكتبات الاهتمام
الأكبر عن ما هو قائم حاليا، ونقترح في هذا الإطار إنشاء مكتبات عامة في الحدائق
العامة الكبيرة؛ فهي وسيلة في تحفيز الأفراد على ارتياد تلك المكتبات، وهي في
الوقت ذاته تتيح الاستغلال الأمثل للوقت، خاصة وإذا كانت تلك المكتبات أحد الأجزاء
الرئيسية للحديقة، مع التأكيد على ضرُورة وُجُود قسم خاص لمكتبة الطفل.
ويُمكن من خلال هذه المكتبات إقامة العديد من الفعاليات
والمُسابقات والأنشطة الثقافية، وأن تعمل تلك المكتبات على وضع خطط وبرامج تحفيزية
على القراءة؛ حيث إنَّ الارتقاء بمُستوى الثقافة للمُجتمع لا يتأتى إلا من خلال
الاهتمام بالكتاب والمطالعة المُستمرة.
وَهَذا الجهد لا شكَّ يحتاج تعاوُنا مُستمرا
وتنسيقا متواصلا بين الجهات المعنية بالثقافة وأفراد المُجتمع، وبدعم مادي ومعنوي
من قبل القطاع الخاص ضمن مسؤُوليته الاجتماعية تجاه أبناء الوطن؛ فالمكتبات أصبحتْ
اليوم أحد الدعائم الأساسية لمُجتمع المعلُومات، وهي في نفس الوقت تُشكل أحد مُقومات
نجاح التنمية الإنسانية في البلاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.