العُمانيون بطبيعتهم يُحبون السفر واكتشاف العالم،
وعلى مدى تاريخهم الممتد لهم بصمات مؤثرة في صنع الحضارة الإنسانية، فنقلوا معهم
حينها ثقافتهم وألعابهم القديمة إلى تلك الدول، لهذا تجد الكثير منها مُمارسة في
عدد من دُول الخليج وإفريقيا.
كُرة القَدم هي سَاحِرة العالم اليوم؛ فمُنذ أن اكتشفها
الصينيون والرومان والإنجليز وقيل أيضًا المصريون، وهي في تزايد مُستمر في قلوب
الناس شهرة وعشقا وشغفا، وبطولاتها ومبارياتها أكثر حضورا ومتابعة على مُستوى
العالم.
لم يعرف العُمانيون كرة القدم كمُمارسة إلا في
فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، عندما اجتاحت تلك اللعبة الساحرة بعض
دُول الخليج، مع ظهور طفرة النفط والتحولات الثقافية والاجتماعية التي أعقبتها،
وقد تنام شهرتها وسحرها من سنة إلى أخرى في نفوس الناس، حتى أصبحت ركنا أساسيا
للشباب في جميع المدن.
شكَّل العُمانيون فرقا لهم لكرة القدم في فترة
إقامتهم في دولة الكويت للعمل وطلب العلم خلال تلك الفترة، وكانت لها صولات وجولات
في هذا المجال، وأصبحت فرقهم ذات شهرة واسعة، ومنها حملت أسماء مدن عُمانية، كانت
بمثابة نواة أولى لتأسيس أندية رياضية في المهجر.
هُناك من بين الموجودين في دولة الكويت من
العُمانيين قبل السبعينيات من أهل ولاية قُريات، وهم أيضًا كغيرهم أسسوا فرقا لكرة
القدم، ولها مُسمَّيات ذكرتها في كتابي "قُريات.. ماض عريق وحاضر مشرق"
في طبعته الثالثة الصادر 2012م، ضمن مبحث خصصته عن تاريخ النادي، وتلك الفرق في حقيقتها
كانت النواة لتأسيس نادي قُريات، بعد أن اتَّحدت مع بداية النهضة المُباركة في
العام 1970م، وعودة المُقيمين هُناك للعمل والدراسة لأرض الوطن.
كانتْ رياضة كرة القدم هي المتصدرة لأنشطة النادي،
فانتشرت الملاعب في كل حارة وقرية، فأصبح الكل يركل تلك الساحرة المدورة، والتي
سميت في بدايتها "كوره"، ثم أصبحت "كرة قدم"؛ فهُناك من كان
يلعبها بدون حذاء، المهم أن يلعب كرة، حتى وإن تألمت وتكسرت أصابع قدمه وسيقانه.
تطوَّرت اللعبة فأصبح للنادي فريق قوي ينافس الفرق
الأخرى في كرة القدم، وله في ذلك إنجازات مشرفة على مسار تاريخه الذهبي، وكرة
القدم بطبيعتها مُتذبذبة تتحكَّم فيها عوامل مُختلفة: مادية، ومعنوية، ونفسية، وإدارية
أيضًا.
اختير أول ملعب رسمي للنادي لكرة القدم في راحضي
الساحل، وهو أمام مبنى النادي القديم، كان ترابيا تملأه السبخة المالحة لقربه من
البحر، وكانت جميع بطولات النادي يلعبها على ملاعب خارج الوُلاية لافتقاره لملعب
معشب؛ لهذا كان جمهوره محرومًا من متعة المتابعة المُباشرة لمبارياته.
كَان اللاعبون لديهم ولاء غريب لفريقهم؛ فكان
اللاعب يقاتل من أجل أن يحقق الفوز لفريقه، كان بعضهم يقطع المسافات الطويلة من
أجل حضور تمرين في قُريات، كان اللاعب يشتري أدواته الرياضية بنفسه دُون أن يطلب
تعويضا عن ذلك من النادي، كان اللاعب يُمارس لعبته المفضلة عن هواية ورغبة حقيقية.
مَع تزايد اهتمام الناس بكرة القدم, جاء التفكير
لتعشيب ذلك الملعب، اجتمعنَا حينها في مجلس إدارة النادي ودرسنا الأمر، وكان ذلك
في أمسية جميلة في مع بداية العام 1997م أو في نهاية العام الذي قبله.
المَلعب في مَكانه الحالي سيتكلف آلاف الريالات؛ لكون
أرضيته سبخة مالحة، وموازنة النادي المحددة للرياضة ولجميع اللعبات لا تتعدى ألفين
ريال عُماني أو أقل؛ فجميع موازنة النادي هي أربعة آلاف ريال عُماني لجميع
المصاريف الإدارية، وللأنشطة الثقافية والفنية والاجتماعية والرياضية، ولمصاريف
الكهرباء والماء أيضًا.
فكَّرنا وعَصفْنا الذهن، وشاورنا المرجعيات
والقيادات الرياضية بالفرق الرياضية، وكان القرار: لقد حان الوقت أن يكُون للنادي
ملعب معشب مهما كان الثمن؛ فكانت حينها الإرادة، فاتَّفق الجميع على أن يكُون
التنفيذ على مراحل مكتوبة ومدروسة، وفي خُطة زمنية محددة.
شكَّلنا فِرق عمل لأجل تنفيذ ذلك؛ فهُناك فريق
لجمع التبرعات من أجل تسوير أرض النادي، وأخرى من أجل دراسة التربة وجرف المالحة
منها وتحديد مُتطلبات الزراعة، كما استعنَّا بأهل الخبرة في هذا المجال، وبدأ على
بركة الله المشرُوع.
كَان للبلدية مشكورة دورٌ مهمٌّ في تغيير تربة
أرضية الملعب، فقد تم تغييرها لأعماق مُختلفة. فعندما هُيأت أرضية الملعب جاء دور
زراعة الملعب بالحشائش، استعنَّا بشركة متخصصة فكان طلبها موازنة تفوق موازنة
النادي لعدة سنوات.
دَخَل اليأس في نُفُوس البعض من تحقيق الحلم؛ فمرت
الأيام في تفكير عميق؛ فقرَّر مجلس الإدارة حينها خَوْض المغامرة وتطبيق المثل
العُماني: "ما يحك جلدك إلا ظفرك".
خَرَج فريق من النادي إلى شركة تبيع البذور، فاشتروا
الكمية المطلوبة لزراعة أرضية الملعب، وفي صباحية مُباركة اجتمع الجميع على أرض
الملعب، فتولَّى رئيس اللجنة الرياضية لخبرته في الزراعة نثر البذور، وتولَّى
الآخرون تسوية الأرضية وري الزرع، وما أيام وإذا المكان تكتسيه الخضرة اليانعة.
نمَا العُشب برعاية ذاتية من إدارة النادي
والمخلصين من أبناء الوُلاية، وكانت بركات ذلك الملعب أن حقق النادي على أرضيته
الترابية بطولة الدرجة الثالثة، وصعود فريقه الأول إلى مصاف أندية الدرجة الثانية
في موسم 96/95، ثم تحقيقه درع دوري الدرجة الثانية وصعوده لمصاف أندية الدرجة
الأولى في موسم 97/96، ليَكُون حينها الملعب الأخضر قد أصبح جاهزا لاستضافة
مباريات النادي بين محبيه وعشاقه، ثم تلا ذلك تركيب أعمدة الإضاءة وبناء بعض
المدرجات على محيطه، وبجُهُود ذاتية أيضًا دُون تحميل الدولة أو ميزانية النادي
أية تكلفة.
وهُنا، أودُّ أن أُشير لمن لم يدرك فترة بداية
السبعينيات من الجيل الحالي أن تلك الأرض التي أقيم فيها أول ملعب معشب في قُريات
كانت البداية لانطلاقة التعليم في قُريات؛ حيث أُقيمت في ذلك المكان أول مدرسة
نظامية للتعليم بالخيام قبل انتقالها إلى مبناها الثابت في المعلاة، وها هو اليوم
يشهد ذلك المكان أيضًا إقامة مركز صحي على نفس أرضية الملعب، بعد أن اكتملتْ مُنشآت
النادي الجديدة بحي الظاهر.
فتِلْك
إذن حكاية أوَّل ملعب أخضر في قُريات، والذي كان يومًا ملتقى الشباب، للتمتع بسحر
الكرة، التي للأسف أنستنا الكثير من ألعابنا العُمانية القديمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.