أَحَد الأسباب المُهمة التي جَعَلتْ من دُول نمور
آسيا في فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم، أن تتحول من اقتصاد
تقليدي إلى اقتصاد قائم على المعرفة، ذي تنافسية عالمية، رغم نُدرة الموارد
الطبيعية لديها، هو الاستثمار في النافذة الديموغرافية.
فما هي النافذة الديموغرافية؟
المُجتمعات بطبيعتها تختلف في خصائصها السكانية
وفقا لظرُوفها البيئية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتوجهاتها التنموية، وهي
من فترة إلى أخرى تشهد تحولا في التركيب العمري للسكان والخصائص السكانية الأخرى.
فهُناك مُجتمعات تَجِد فيها الهرم السكاني يميل
إلى فئة عمرية معينة؛ فمثلا تجد في تلك المُجتمعات فئة الأطفال في بداية نموها هم
الكتلة السكانية السائدة؛ نظرا للخدمات المتوفرة صحية واجتماعية؛ الأمر الذي يزيد
فيها نسبة الإعالة أكثر من غيرها من المُجتمعات التي تجد فيها نسبة الشباب هم
الشريحة الأكبر.
فإذَا ما نَجَحت تلك المُجتمعات في الاستثمار في
مقدراتها البشرية مُنذ البداية؛ فإنها ستجني ثمار ذلك الاستثمار متى ما تحولت تلك
الفئة العمرية (الأطفال) إلى مرحلة سن العمل، وهي المرحلة الذهبية لتقدم التنمية
المُستدامة في أي مُجتمع، والتي عادة تتسم بنسبة إعالة منخفضة لمن تقل أعمارهم عن
15 سنة، وكذلك التي تزيد على 65 سنة، فيما تكُون الكتلة السكانية الأكبر ما بين 15-64
سنة، وهي الفئة المنتجة.
للوُصُول إلى تلك المرحلة الانتقالية بسلاسة وأمان
مُجتمعي في أي مُجتمع يتطلب جُهُودا كبيرة وتكاملا مُجتمعيا واعيًا، وُصُولا لتحقيق
الكفاءة الإنتاجية على مُستوى الفرد والمُؤسسة، ويَضْمن قُدرة تنافسية عالمية،
ترتكز على مبادئ اقتصاد المعرفة، والتحول إلى مُجتمع يشجع على الإبداع والابتكار
في جميع مجالات الحياة.
المتأمِّل في المؤشرات السكانية والتركيب العمري
لسكان السلطنة ومُستويات الإعالة، وفقا للبيانات والمعلُومات الصادرة عن المركز
الوطني للإحصاء والمعلُومات، يجد أنَّ السلطنة تسير في اتجاه الوُصُول إلى مرحلة
ما يسميه علم السكان أو الدراسات السكانية بالنافذة الديموغرافية، وهي لا تتجاوز
عام 2040م كبداية لها، وسوف تستمر لسنوات طويلة، حينها يكُون أكثر من ثلثي السكان
هم في سن العمل، وهي مرحلة مُهمة ينبغي التعامل معها برؤية واعية.
فهل شركاء التنمية الإنسانية (حُكُومة، قطاعا خاصا،
مُؤسسات مُجتمع مدني) وعت هذه المتغيرات الديموغرافية واستعدوا لها؟ فنحن شئنا أم
أبينا مُقبِلون على تحديات عديدة: اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، يتطلب من
المُجتمع أن يعيها ويتعامل معها بواقعية، ولا يتأتى النجاح في ذلك إلا بروح المُشاركة
والتكاتف والتكامل والانتماء الوطني، وهذا ما يجب أن تدركه وتعمل عليه الأجيال
الحالية والقادمة بالجد والعزم والاجتهاد والمُثابرة، والتسلح بالعلم والمعرفة،
فهم النافذة المشرقة التي نطل من خلالها على المُستقبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.