1995م |
1995م |
1995م |
حادثُ السَّير الذي وقع يوم أمس في قرية سلماة
القريبة من قرية فنس بولاية قُريات، وكان ضحيته ستة أفراد، وأربعة مصابين بإصابات
مُختلفة، بعضها خطيرة، قد أعاد بي الذاكرة إلى ما يقرب من عشرين عاما مضت، وإلى قصَّة
عشتها بنفسي بصُحبة بعض المسؤُولين لمعاينة طريق تعب الجبلي، وعرفت حينها مدى
المُعاناة والصعوبات التي يعيشها سُكان تلك القرى.
تعب، وحريمة، ووسال، وسلماه، وعمق.. قُرى جميلة
تطل على قرية فنس التابعة لولاية قُريات، تلك القرى تتميز بتضاريس متباينة وطقس
فريد، وتكثر الظباء والغزلان في فلاة تلك القرى وجبالها، وهي ذات شهرة بزراعة
الرمان وأشجار النخيل كالبرني والبونارنجة، وتتوافر فيها مياه طبيعية تنبع من قمم
الجبال الصماء ومجاري الأودية.
هذه القرى أيضًا يقع بقربها العديد من الكهوف
النادرة؛ من بينها: ثالث أكبر الكهوف الجوفية في العالم، وهو كهف مجلس الجن (خشلة
مقندلي)؛ حيث يعتبر من الكهوف العظيمة والنادرة، وله شهرة عالمية واسعة.
الوُصُول إلى تلك القرى يحتاج إلى جهد وعناء في ظل
عدم وُجُود طرق مسفلتة تخدمها، وقديما كان الوُصُول إليها بالمشي أو الطائرة، ومن
ثم شُق لها طريق ترابي وسط الجبال.
وأذكر في شهر أبريل من العام 1995م، قام بزيارة
قرية تعب نائب رئيس بلدية مسقط السابق الأستاذ حسين سعيد؛ بهدف معاينة مسار الطريق
الذي يُطالب الأهالي بتمهيده، وكان بمعيَّته سعادة الوالي الشيخ خالد بن أحمد
الأغبري، وعدد من المسؤُولين بالبلدية، وكان لي شرف مرافقتهم، تلك الزيارة بيَّنت
للجميع مُستوى مُعاناة الأهالي؛ فالمجرب والمعايش ليس كالسامع، والجالس في المكتب
ليس كالذي يعيش الواقع.
فقد تطلَّب منا قطع مسافة طويلة مشيًا على الأقدام،
وصعود مرتفعات جبلية عالية، ولفترة زمنية طويلة، وما إن وصل الفريق بالقرب من مساكن
القرية إلا وعدد منهم يتساقط؛ فمنهم من أغمي عليه وفقد الوعي بسبب انخفاض الضغط
بسبب صعود الجبال، ومنهم من كان التعب ودوار الرأس وتفريغ ما في بطنه من نصيبه،
وكدنا نفقد أحدهم لولا رحمة الله وعنايته وإسعاف الأهالي، ولكن حرصهم على أداء
الواجب لم يُثنِهم عن إكمال المُهمة.
في اليوم التالي، عزَّز هذا الموقف زيارة سعادة
المُهندس رئيس بلدية مسقط السابق للولاية، وأمره بضرُورة مواصلة شق الطريق الجبلي؛
وبالفعل تمَّ شق ذلك الطريق، ولكن لم يُستكمل حتى مركز قرية تعب؛ بسبب أن هذه
القرية عبارة عن بقعة أرض بين جبال شاهقة.
قصَّة هذه الرحلة كتبتُ عنها في الصحافة في ذلك
الوقت، وهي موثقة في كتابِي "قُريات.. ماض عريق وحاضر مشرق"، وهدفتُ من
ذلك بيان مدى مُعاناة أهالي تلك القرى الجبلية، وتمسُّكهم بالمكان مهما كانت تلك
الظرُوف، إضافة لحرص الحُكُومة الرشيدة على توصيل خدماتها رغم عوائق الطبيعة
وصعوبة التضاريس؛ فالمهم هو الإنسان؛ وذلك هدف أساسي لمسار التنمية الإنسانية في
عُمان.
إعطاء اهتمام أكبر لمثل هذه القرى، ورصف الطرق
المؤدية إليها، يعد مطلبا ضروريا، وله جدوى اقتصادية واجتماعية كبيرة، خاصة وأن
الاستثمار في الكهف العظيم القريب منها، وتهيئته للسياحة، يُشكل استثمارا مهما في السياحة
على مُستوى السلطنة والعالم العربي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.