الاثنين، 21 أغسطس 2017

المالد

المالد.. ذاكرةٌ شعبية قديمة، يَجْمَع بين الذاكرة الصوفية، وفُنُون الإيقاعات السماعية، والتراتيل القولية، الممتزجة بالحركات الجسمية والنفسية في آن واحد. وللمالد قصائد معروفة، ولبُخور اللبان مكانة أساسية في هذا الفن، وكذلك ماء الورد.
في طُفولتنا، كانتْ تجذبُنا مثل هذه الفُنُون للمرح والتسلية، وللتأمل أيضا، على الرغم من بعض مشاهدها المخيفة.
المالد ليس له وَقت مُحدَّد أو مُناسبة محددة؛ فهو يُقام للأعراس وللاحتفال بالمختون، وللعلاج في كثير من الأحيان، حسب إيمان معتقديها، كما أنه يؤدَّى مسيرة أو في جلسة.
قديمًا، كان هُناك من بين المؤدين لهذا الفن من لديه قُدرة على سحر أعين الحضور بالقيام ببعض الأعمال الخارقة كغرس خنجر في جسمه، أو أن يوزع على الحضور بعض السكريات كسكر قلام أو يأكل جمرًا ساخنًا، وهذا ما شاهدته بنفسي في مرحلة من مراحل طفولتي.
زفَّة المالد.. لها تقسيماتٌ ومُسميات فرعية: المعلم، الهوامة، السماعات والطارات، الرديدة، الهبايب، سُكان الرأس، العريف، النعيش وضرب الدبوس.
ويَصاحب هذا الفن حركات جسمية وصوتية منسقة ومنظمة لا يجيدها إلا المتمرس، كما تستخدم الدفوف في هذا الفن، ولها شكل فريد وتحمى بحرارة النار التي تشعل بين الحين والآخر عن طريق إشعال خوص النخيل؛ بهدف إكسابها صلابة وقوة، ليخرج منها صوت حاد يُسمع من بعيد.
يُقام فن المالد المسير غالبًا لزفة المعرس أو وفاء لنذر؛ حيث يزف إلى مكان معهود كالصيرة أو الشيخ فرج أو لجري؛ وذلك وسط فرحة غامرة تعمُّ الحي وأهل القرية، ليعُود المعرس من هُناك بثيابه الجديدة بعد أن يستحم ويتزين.
اليوم، لم تَعُد طقوس المالد بتلك الأهمية، لتغيُّر الذائقة وتطوُّر الوعي الجمعي تجاه الكثير من عادات الفُنُون الشعبية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.