كانتْ الجِمَال والحمير الوسيلة الوحيدة للتنقل من
مكان إلى آخر في بلدتنا، إضافة للبدانة والهواري والخشب البحُرية الأخرى، ومع
بداية الستينيات من القرن المنصرم ظهرتْ سيارات الدفع الرباعي لأول مرة، اقتناها
بعض الأفراد المغمورين بما هو جديد، وبعدد محدُود جدا، نظرا لصعوبة إجراءات الحُصُول
على تصاريح الشراء، ورخص القيادة.
صَاحَب دُخُول تلك السيارات إلى بلدتنا ظهور
واستحداث بعض المفردات الجديدة؛ فمع مرور الوقت أصبحت ضمن ألفاظ لهجتنا الدارجة
العامة والخاصة، يتداولها الناس فيما بينهم؛ منها: موتر، هندل، مكينة، بدي، غمارة،
سُكان، جير، دبل، غيار، سيت، طربال، عريبيا، لاندروفر، لاندكروزر، بدي فورد، صدام،
بيكاب، شاحنة، نكال، شيول، نساف، لاديتر، بنشر، تاير، إسبير، تيوب، رقاع، رنجات،
بترول، آيل، جريز، باتري، بلكات، سلنسر، دبة، جامة، أكسل، انجيز، نول، قلتر آيل،
فلتر بترول، كاربيتر، فحمه، هندل بريك، بريك، سفايف، بريكدون.. وغيرها من الألفاظ.
كَانَت تلك السيارت القديمة تسلك طرقا ترابية
وجبلية وعرة، مهدتها دائرة التحسينات في ذلك الوقت، تمتدُّ من وادي مجلاص، فالسليل،
وواحة حطاط، وُصُولا إلى وادي عدي، ثم إلى مطرح ومسكد (مسقط القديمة).
كان التنقُّل عبر تلك السيارات بمثابة سفر بعيد،
وتتخلله مشاق صعبة، ناهيك عن الغبار والتوقف المُستمر لإصلاح محركها وإطاراتها؛
حيث كانت معرَّضة دوما للتعطل، بسبب الصخور والارتفاعات الجبلية، إضافة لاكتنازها
بالركاب جلوسا ووقوفا، وفي كل فسحة مكان من بدنها الحديدي.
لم تكُن ورش إصلاح السيارات معروفة كما هي عليه
اليوم، كما لم تعرف بلدتنا أي وافد متخصص في هذه الخدمة، فكان صاحب السيارة
والركاب جميعًا يشتركون في إصلاح السيارة إذا ما توقفت في الطريق، وكانت التجربة
والمُمارسة طريقتهم الوحيدة في التعلم والتعامل مع مُكونات تلك السيارة.
مع مُرُور الوقت، وازدياد عدد السيارات، خاصة مع
بداية النهضة المُباركة في بداية السبعينيات من القرن الماضي، انبرى سعيد بن خميس
الشيرازي مُتخصِّصا ومُتفرِّغا في إصلاح السيارات، فعلَّم نفسه بنفسه، واكتسب
الخبرة من غيره، ففتح ورشة صغيرة ملاصقة لبيته.
فمع إشراقة شمس كل يوم، تجده في ورشته بنشاط
وحركة، يستقبل زبائنه بابتسامة ومحبة وصدق، فكانت تلك الورشة مصدر رزقه وأهله إلى
وقت قريب.
كَان يتعامل مع كلِّ جزء من السيارة بيده وفكره
وخبرته، لم يرد أي شخص تعطلت سيارته، فكان مُتواضعا وخدوما للجميع وفي أي وقت
ومكان، حتى في وقت راحته ليلا أو نهارا؛ فمتى طلبتُه تجده معك برحابة صدر. تحمَّل
كثيرا صعوبة العمل ومشاقه؛ نظرا لعدم توافر تلك المعدات المساعدة في إصلاح السيارت
كما هي عليه اليوم.
في بداية التسعينيات، أجريتُ معه حُوارا صحفيًّا،
سرد فيه قصة عمله مع إصلاح السيارات، فكان فخورا جدا بعمله ومتقنا له، كان يحتفظ
بقصاصة تلك الجريدة بمحبة وفخر، ويذكرني بها في كل لقاء معه.
قبل سنوات باغته المرض فقسا عليه، كان صبورا جلدا
مع شدة المُعاناة والألم، خاصة لفقده مصدر رزقه وورشته القديمة، كم كان يحن عليها
وهو على فراش المرض، حدَّثني ذات مرة والدمعة في عينيه لعدم تمكنه من فتح ورشة في
المنطقة الصناعية الجديدة.
عِنْدَما تنظرُ وتتأمَّل يده تجد فيها سِجلًّا
مشرفا، حفر فيها اسم كل سيارة قام بإصلاحها على مر أكثر من خمسة عقود.
غادَر الميكانيك المعروف سعيد الشيرازي الدُّنيا
مُنذ فترة، تاركًا محبة الناس ودعاءهم له بالخير، كما ترك مدرسة مخلصة في حب العمل
والإخلاص فيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.