هذه بعضُ الذكريات، والمشاهد، والانطباعات، والمشاعر الشخصية، التي واكب بعضُها منظرًا لصُورة التقطتها من البيئة والطبيعة العُمانية، أو ذكرى من التاريخ والتراث الثقافي انطبعت في الذاكرة والوجدان، أو تأثر وانطباع خاص تجاه موقف أو مشهد من الحياة، أو شذرات من رُؤى ونظرة مُتواضعة إلى المُستقبل، أو وجهة نظر ومُقترح في مجال الإدارة والتنمية الإنسانية.. هي اجتهادات مُتواضعة، من باب نقل المعرفة، وتبادل الأفكار والخبرات، وبهدف التعريف بتراثنا الثقافي (المعنوي، والمادي، والطبيعي)، ومنجزنا الحضاري.
الاثنين، 28 أغسطس 2017
الأحد، 27 أغسطس 2017
السبت، 26 أغسطس 2017
رُؤية قائد عظيم للتعليم
-
"لقد كان التعليم أهم ما يشغل بالي.. ورأيتُ أنه لا بد من توجيه الجُهُود في
الدرجة الأولى إلى نشر التعليم".
- "كان لنا في مَيْدان التعليم حملة بدأت
للوهلة الأولى، وكأنها تهافت الظمآن على الماء".
- "كانت المدارس تفتح دُون أي حساب
للمُتطلبات؛ فالمهم هو التعليم حتى تحت ظل الشجر، ولم يغب عن بالنا تعليم الفتاة،
وهي نصف المُجتمع".
- "مدارس في كلِّ جُزء من أجزاء السلطنة
للبنين وللبنات؛ فالعلم ضرُورة لازمة، ولا بد أن يتعلم الجميع ليسعد بهم الوطن".
قابوس بن سعيد
كلُّ الإمكانات سُخِّرت من أجل التعليم: 588339
طالبا وطالبة ينتظمون في 1129 مدرسة حُكُومية مع بداية العام الدراسي الجديد
2018/2017.. كُل التحية والاحترام لصُنَّاع المعرفة وقادة المُستقبل.
إدارة الحكمة
جَميعُنا سمع بمُصطلح "إدارة المعرفة"،
التي شكَّلت خلال الفترة الماضية أساسَ تطور المُجتمعات واقتصاديات العالم،
وارتبطتْ بمُجريات الحياة ومُتطلبات المُجتمعات نحو التقدُّم العلمي والمعرفي
والاقتصادي وتحقيق الرفاهية الاجتماعية.
اليوم، العالم يتكلَّم عن مُصطلح جديد يُسمَّى "إدارة
الحكمة"؛ وذلك انطلاقا من أنَّ أي عمل إنساني -مَهما كان- هو بحاجة إلى حِكمة
من أجل تحقيق أهدافه، وهذا التوجه الحضاري انعكس أيضًا على إدارة المُؤسسات؛ فهي
لا تدار إلا بالحكمة -أي الإتقان- ووضع كل شيء في مساره الصحيح.
(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ).
الخميس، 24 أغسطس 2017
الاثنين، 21 أغسطس 2017
المالد
المالد.. ذاكرةٌ شعبية قديمة، يَجْمَع بين الذاكرة
الصوفية، وفُنُون الإيقاعات السماعية، والتراتيل القولية، الممتزجة بالحركات
الجسمية والنفسية في آن واحد. وللمالد قصائد معروفة، ولبُخور اللبان مكانة أساسية
في هذا الفن، وكذلك ماء الورد.
في طُفولتنا، كانتْ تجذبُنا مثل هذه الفُنُون
للمرح والتسلية، وللتأمل أيضا، على الرغم من بعض مشاهدها المخيفة.
المالد ليس له وَقت مُحدَّد أو مُناسبة محددة؛ فهو
يُقام للأعراس وللاحتفال بالمختون، وللعلاج في كثير من الأحيان، حسب إيمان
معتقديها، كما أنه يؤدَّى مسيرة أو في جلسة.
قديمًا، كان هُناك من بين المؤدين لهذا الفن من لديه
قُدرة على سحر أعين الحضور بالقيام ببعض الأعمال الخارقة كغرس خنجر في جسمه، أو أن
يوزع على الحضور بعض السكريات كسكر قلام أو يأكل جمرًا ساخنًا، وهذا ما شاهدته
بنفسي في مرحلة من مراحل طفولتي.
زفَّة المالد.. لها تقسيماتٌ ومُسميات فرعية:
المعلم، الهوامة، السماعات والطارات، الرديدة، الهبايب، سُكان الرأس، العريف،
النعيش وضرب الدبوس.
ويَصاحب هذا الفن حركات جسمية وصوتية منسقة ومنظمة
لا يجيدها إلا المتمرس، كما تستخدم الدفوف في هذا الفن، ولها شكل فريد وتحمى
بحرارة النار التي تشعل بين الحين والآخر عن طريق إشعال خوص النخيل؛ بهدف إكسابها
صلابة وقوة، ليخرج منها صوت حاد يُسمع من بعيد.
يُقام فن المالد المسير غالبًا لزفة المعرس أو
وفاء لنذر؛ حيث يزف إلى مكان معهود كالصيرة أو الشيخ فرج أو لجري؛ وذلك وسط فرحة
غامرة تعمُّ الحي وأهل القرية، ليعُود المعرس من هُناك بثيابه الجديدة بعد أن
يستحم ويتزين.
اليوم، لم تَعُد طقوس المالد بتلك الأهمية، لتغيُّر
الذائقة وتطوُّر الوعي الجمعي تجاه الكثير من عادات الفُنُون الشعبية.
الأحد، 20 أغسطس 2017
في ضيافة السماء
عَاش في عَلاقة تتَّسم بالرضا مع نفسه ومع الآخرين،
جعل من السلام الداخلي رسالة محبَّة يبعثها مع كل لقاء بتواضُع جم.. قلبُه كان
متعلقا بالمسجد، فتجده منزويًا في هدوء غير عادي مع كل صلاة، كان وفيا صادقا
قنوعا، ينثر الكلام الطيب بسكينة على كل إنسان. اتَّخذ بسطة صغيرة في حجمها؛ كبيرة
في معناها ودلالاتها، فمع انبعاث أول ضوء للشمس يُسابق عصافير المكان بنشاط متجدد،
سعيا لطلب رزق يومه. يفرش بسطته المُتواضعة على قارعة الطريق، فتجدها مزدهرة
ومتنوعة السلع والمُنتجات بألوانها المبهجة. خضار وفواكه طازجة تم ترتيبها بطريقة
تسويقية أنيقة، جلبها للتو من المزرعة. كان قدوة في حب العمل مهما صغر، لهذا قلده
الكثير من الشباب؛ فجاوروه في بسطته دُون تذمر. مع كل صباح ومساء يحيط به الزبائن
والأصدقاء في جو مفعم بالابتسامات والمرح. لم ينسَ فرحة العيد الكبير، فجمع من
المزارعين مجمُوعة من الظرُوف الخوصية لاستخدامها في تنور الشواء، فعرضها على
بسطته في مساء تحفه علامات الوداع. نفدت تلك الظرُوف في ساعات قليلة، فذهب إلى
بيته فرحا بخدمة قدمها لأبناء بلدته. كان ذلك المساء على غير عادته، فكانت السماء
مبتهجة بلقاء جديد. أخذ غفوة عميقة بعد لمسة وداع على محبيه. مررت ببسطته الصباحية
فوجدت الحزن يملأ المكان. كان الجميع يسأل: أين العم سعيد؟! يأتي الرد: سعيد أصبح
اليوم في ضيافة السماء.
الخميس، 17 أغسطس 2017
الأربعاء، 16 أغسطس 2017
الثلاثاء، 15 أغسطس 2017
الأحد، 13 أغسطس 2017
السبت، 12 أغسطس 2017
تمكين
عندما اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي
الجليل معاذ بن جبل لمُهمة القضاء في اليمن، دار بينهما هذا الحُوار، الذي يعدُّ
درسا في مفهُوم التمكين: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء، قال: أقضي بكتاب الله، قال:
فإن لم تجد في كتاب الله، قال: فبسُنة رسول الله، قال: فإن لم تجد في سنة رسول
الله، ولا في كتاب الله، قال: أجتهد رأيي. فضرب رسول الله صدره، وقال: الحمد لله الذي
وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله.
الجمعة، 11 أغسطس 2017
المُواطنة التسويقية
المُواطنة التسويقية بمفهُومها المُعاصر هي
مسؤُولية مشتركة، وهي في ذات الوقت مسألة مُرتبطة بالقيم والوعي الجمعي بأهميتها،
ويتطلب التركيز عليها: إعلاميًّا، وتربويًّا، وتوعيًّا؛ لكونها تُشكل مُستقبل
المنتج الجُغرافي والطبيعي، وكذلك بالمنتج السلعي والخدمي والمعرفي والفكري للبلد،
وتساعد على تقديمه بصُورة شائقة ومحفِّزة على مزيد من الإبداع والابتكار.
الخميس، 10 أغسطس 2017
إلى روح سالم الزهيمي..
أتأمَّل حركة كل قارب في الخور، مُتذكرا سيرة
إنسان عزيز.
المَكَان يكتسيه الهدوء والسكينة، فهو لا يزال
يرسم ملامح وجهه الباسم. أتتبع خطواته الهادئة على الرمل شوقا لحديثه وضحكته.
الموجة تهدر باسمه؛ مُتذكرة تلك الأيام المشرقة
بالحب والجمال والوفاء.
عَشق البحر مُنذ طفولته؛ فكان بينهما حكايات لا
تنتهي.
حَصَاة برامة تحكِي قصته مع قلعة الصيرة وأسرارها.
الصِّيمة تتراقص في مغارة العنفوف بانتظار عودته،
لينثر عليها بهاء مغدفته وغله مع إشراقة كل شمس.
الدوعية تحن إلى صَوت غادوفه عندما يلامس ماء
البحر.
أَحبَّ الناس بإخلاص فأحبُّوه بكرم ووفاء.
هواري السباق، التي أتى بها من كيرلا مع رفيقيْ
دربه؛ ما زالت صامتة في انتظار إشارته، لتشق طريقها في مهرجان الفرح.
لا تُفَارِقُني تلك الحماسة من أجل قُريات وناديها.
الأربعاء، 9 أغسطس 2017
الشباب.. ثروة الوطن
مُنذ سنوات، كُنت في زيارة لدولة أوروبية، دخلت
مطعما لتذوق ثقافة الطعام في تلك البلد العريق والمُتقدم علميا، فتقدم لخدمتي في
ذلك المطعم شاب وسيم، سألته: لماذا أنت هنا؟ قال: ماذا تعني من هذا السؤال؟ قلت
له: في مثل عمرك يجب أن يكُون في الكلية والدراسة لا في المطعم. قال: أنا كما قلت،
ولكن وجودي هنا لكي أصرف على نفسي ودراستي.
في نفس الدولة يحكي لي أحد الأساتذة الكبار هُناك،
قصته لكي يؤمن مصاريف دراسته الجامعية، يقول: اتصلت به شركة لكي تؤمن له عمل يوم،
ذهب إليها، فقيل له: ترى تلك الشاحنة، قال: نعم. قيل له: هي متعطلة من الأمس،
والمطلوب منك الدُخُول في قلاب الاسمنت، وتكسيره وإخراجه منها، لكونه قد نشف
وتصلب. يقول: حاجتي للعمل والدراسة دخلت ذلك القلاب فإذا هو نار جهنم من قوة وصلابة
الاسمنت وحرارة القلاب المختزنة فيه. رأيت ذلك الأستاذ الذي يشار إليه بالبنان في
بلده يخرج من كليته ويركب المواصلات العامة للوُصُول إلى بيته.
اليوم أعلن مركز القبول الموحد مشكورا عن نتائج
الفرز الأول للقبول الموحد للدارسين في المرحلة الجامعية الأولى من طلاب العام
الأكاديمي الجديد، حيث تم عرض 23462 مقعدا، مع وُجُود 6345 مقعدا شاغرا في انتظار
الفرز الثاني، أي ما يقارب خمس المقاعد المطروحة، والتي تصل في مجملها 29807 مقعدا
دراسيا، بمُختلف مُؤسسات التعليم العالي الحُكُومية والبعثات والمنح الداخلية والخارجية،
وهي متاحة أمام الطلاب بالمجان، بعدالة وشفافية تامة، تدفعها الدولة من أجل بناء
ورقي الإنسان.
تلك الجُهُود التي تقدمها الدولة على الرغم من الظرُوف
الاقتصادية التي تجتاح العالم لم تكن يوما في عُمان تقف عثرة أمام نشر التعليم
بمُختلف مُستوياته ومراحله.كل التهنئة للطلاب والطالبات على الإنجاز، وأقول لهم:
الوطن ينتظر منكم الكثير، فأنتم ذخره ورأس ماله وثروته الحقيقية، مرحلة الجامعة هي
مرحلة مُهمة في عمر الإنسان، ومحطة جديدة في حياتكم، وفُرصة كريمة لا تعوض، تتطلب
المزيد من الجد والاجتهاد والمُثابرة والاعتماد على الذات، فاستثمروا هذه الفُرصة
من أجل خدمة أنفسكم وتطوير قدراتكم وإبداعاتكم وتوسيع معارفكم، لتسعدوا ويسعد بكم
الأهل والوطن في المُستقبل. اللهم أحفظ شباب وطني ووفقهم لما فيه الخير والصلاح.
الاثنين، 7 أغسطس 2017
القمر متعافي
القمر يتعافَى.. هكذا يصفُون حالة الخسوف قديما،
يقولون: القمر متعافي..
كان الاعتقاد بأن دابة أو هامشة تفترس أو تلدغ ذلك
الكوكب اللطيف، فيحزنون حينها لِمَا أصاب القمر واختفاء أشعته الذهبية؛ لهذا
يهرعون إلى رفع الأذان من أعلى المساجد والبيوت.
فِيْمَا تهرع النساء لدق وطحن بعض الملح والأدوية
والبهارات بقصد قوة فاعليتها والتبرُّك بها، وهُناك من يخبط شجر السدر، ويحدث صوتًا
من دق المواقع، ومنهم من يضرب القطط والكلاب حتى تهرع بالصياح.. فيما تبقى الحامل
مُتسمِّرة بلا حركة أو هرش في جسم، حتى لا يتأذَّى الجنين، وتظهر على جسمه بقعة
داكنة تُسمى وحمة.
ومَا إنْ يَعُود القمر إلى كامل استدارته وعافيته،
حتى تعود حينها حركة الحياة إلى طبيعتها.
مُعتَقَدات عفَى عليها الزمن، انتهتْ عندها مفردة
"القمر متعافي" لتحل محلها مفردة "خسوف القمر".
الأحد، 6 أغسطس 2017
الثور.. في تراثنا الزراعي
الثَّور من الحيوانات التي كان يُعتمد عليها في
تراثنا الزراعي، سخَّره الله لخدمة الإنسان؛ لهذا كان يلقى عناية ورعاية كبيرة من
قبل صاحبه، فيطعمه التمر ويعلفه بأفضل الحشائش، ويزعطه السمن العُماني، ويُسقى
وجبة تُسمى "المغبرة" يخلط فيها نوى التمر "الفلح" مع غنوش
الأسماك، وتقدم وجبته في إناء جميل يسمى "مطعم"، يصنع ويجوف من جذوع
النخيل.
أهمُّ الأعمال التي يقوم بها الثور: عصر أعواد
السكر، والهياسة، ورفع المياه عن طريق الزاجرة. ومن أجل تحفيز الثور على تحمل مشاق
العمل، كان صوت المنجور يُطربه ويُسليه، وأثناء دورانه في الخب يُطبطب عليه صاحبه
بلمسات فيها الرحمة والمحبة، مع كلمات ملحَّنة يمدح فيها الثور وهمته.
كان الثور يشعر بتلك الكلمات والأصوات المطربة؛ لهذا
تجده يرفع تلك الدلو بحماس واستمرارية وهدوء، على الرغم من ثقلها، والغريب أن تلك
الدلو المحملة بالماء هي مصنُوعة من جلد ثور مثله.
لم يَعُد للثور هذه الأيام حاجة، إلا في أيام
الأعياد والمناسبات؛ حيث للحمه لذة وطعم، ولذكرياته قصة تروى.
السبت، 5 أغسطس 2017
مؤشرات
*
لا تُقاس نتائج المُؤسسات ونجاح الإدارة بمؤشر صافي الأرباح فقط، وإنما بمؤشر
العائد على الاستثمار في تلك المُؤسسة.
* لا تَفِي مؤشرات الأداء اللاحقة لتقديم الخدمة
أو المنتج لتحقيق الجودة، وإنما يتطلَّب ذلك الاعتماد على مؤشرات واقعية وقابلة
للقياس، تكُون مرافقة لكل مراحل الإنتاج وتقديم الخدمة.
إنه البحر
عَلَاقة الإنسان بالبحر علاقة قديمة؛ فكان يُنظر
إليه ككيان حي يتأثر ويؤثر في مجرى الحياة، وقد نُسجت العديد من الحكايات
والأساطير حول تلك العلاقة، التي لا تخلو من علاقة وجدانية ونفسية، تقوم على الاحترام
وتبادل المصالح؛ لهذا تجد من أراد أن يستفيد من خيرات البحر عليه أن يقدم بعض
التضحيات والاستجداءات والهدايا، لكي يرضي سُكانه القدماء، فهم يعتقدون بهذه
الطريقة يروضون البحر لكي يدفع بخيراته المخزونة إلى محبيه.
ففي مواسم مُحدَّدة تُقام له مهرجانات الفرح من
فُنُون وأهازيج بحُرية، إضافة لولائم سنوية يُدعَى لها الفقراء، مع توزيع جزء منها
على مواقع مُحدَّدة في عمق البحر وكهوفه الصخرية والجبلية، والغريب أنَّ تلك الطقوس لا تكتمل إلا بنثر قطع
الحلوى على تلك الأمكنة، والتي لَها دلالة على اكتمال موسم الفرح واستقبال موسم
الإنتاج والعمل. تغيَّر اليوم ذلك التفكير القديم، فأصبحتْ علاقة الإنسان بالبحر
هي علاقة مصلحة وتحدي، حتى وإن كان ذلك على حساب طرف على آخر.
الجمعة، 4 أغسطس 2017
أبراج بلل
الكثيرُ مِنَّا زار، أو قرأ، أو سمع عن أبراج
كبيكب المبهرة في قمم جبال بني جابر في ولاية صور. وكذلك عن مقابر بات الأثرية في
ولاية عبري، ذائعة الصيت، والمدرجة ضمن قائمة التراث العالمي من قبل المنظمة
الدولية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) مُنذ العام 1988م.
مِثْل هذه التقنية والأبراج الصخرية تجدُها مُنتشرة
في مواقع مُختلفة على مساحة واسعة بقرى وادي السرين ومجلاص بولاية قُريات، القريبة
من مدينة مسقط العامرة؛ من بينها: مجمُوعة من الأبراج الصخرية، بُنيت مُنذ قديم
الزمان بطريقة هندسية وفنية متقنة، على قمة جبل ممتد، تشرف وتطل على واد عميق،
مزدان بأشجار السمر، ويزيد عددها لأكثر من خمسة أبراج، وهي على مسافات متقاربة،
تأخذ شكل الهرم أو خلايا النحل، تقع بالقرب من بلل، وما أدراك ما بلل! بلدة زراعية
وروضة خضراء، قابعة في زاوية بين الجبل والوادي، بالقرب من السواقم، وعلى الطريق
المؤدي إلى عرقي وصياء.
تَمتَاز تلك الروضة الصغيرة، المنزوية بين الجبال،
بالسكينة والهدوء، لا تسمع فيها إلا حفيف أغصان أشجار الغاف والسدر المعمرة،
وزقزقة العصافير بألوانها البهية، وتغريدات الصفاردة والطيور الجميلة، وثغاء
الشياه الباسمة، فيما تلتقيك بحب وحنية نسمات هوائها السجسج، الذي ينعش الفؤاد
والخاطر، ويريح الفكر، كمغنطيس يمتص الألم ويجدد النشاط.
كَانت يومًا حدائق غناء، فتربتها كالزعفران، ذهبية
غنية وخصبة، ترويها ساقية فلج قديم، وقد غيرتها الأحوال عبر الزمن، فاختفت الكثير
من معالمها ونشاطها الزراعي المعهود، وضعف فلجها، فكملت الآبار القديمة مشواره،
فيما المياه اليوم تتفتق ينابيع من أعماق بسيطة جدا في جداول حصوية ورملية بيضاء،
تعزِف سيمفونية الحياة في بطن الوادي، تبحث عمَّن يهتم بها، ويعيدها إلى ساقيتها؛ فهي
تحن إلى مجراها الطبيعي القديم، لتروي النخل والشجر والزهر.
بلل.. لها تاريخ موغل في القدم، وهي اليوم حديقة
طبيعية تكسوها الأشجار الخضراء المعمرة، لها شهرة بموقعتها الحجرية الضخمة،
المكتسية بلون التاريخ ولمسات يد الإنسان، التي لا تزال موجودة على حواف الوادي،
شاهدة على أيام محفوفة بالفرح والجمال، وتحكي ذكريات طواها النسيان. وبلل تستحقُّ
أن تكُون محمية ومتنزها طبيعيا، تهفو إليها النفوس المتعبة، للتأمل بجمال الطبيعة
والجُغرافيا.
وتِلك الأبراج الصخرية المطلة على بلل في تقديري
يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد أو الإسلام بكثير، وقد تعدَّدت الأقوال حول
استخدامها والأغراض التي تخدمها؛ فمنهم من يُسمِّيها: قبور جهال، يحجر فيها المرضى
المزمنون والمُتقدمون في العمر، الميؤوس من حياتهم؛ حيث يُروى أن الإنسان القديم
تطول به الحياة، فيعمر كثيرا، فمتى ما وصل سن الهِرَم، بُنيت له تلك الأبراج
الصخرية كمسكن دائم له، ثم يحمل إليها مع طعامه وشرابه، ليعيش هُناك وحيدا في تأمل
حتى يفارق الحياة، ومتى ما مات دُفِن في باطنها.
وهُناك من يُسمِّي هذه الأبراج الصخرية بالسيبة،
وهي عبارة عن غرف صخرية تستخدم للتحصن والمراقبة في فترة الحرب والنزاعات القبلية،
وللمخيلة الشعبية حكايات عديدة، نسجتها حول هذا الموقع وتلك الأبراج المدهشة،
تحتاج إلى تأمل.
لم يستخدم في بناء تلك الأبراج الطين أو الصاروج،
وإنما بنيت بالصخور فقط، فتجِد كل صخرة تمسك وتحمل الأخرى بوفاء؛ وصفت بطريقة فنية
بديعة ورائعة التصميم والجمال، ولتلك الصخور مقاسات وملمس محدد لكل برج، وهي
مُختلفة الألوان من برج لآخر، وفيما أعتقد أن الكثير من هذه الصخور من حجر الصوان،
الناعمة والمريحة الألوان، كالأسود والرمادي والبني والأبيض، تم تشذيبها بعناية
فائقة وبأدوات تقليدية مُنذ آلاف السنين، يجعلك تتفكر في قيمتها الثقافية
والتاريخية.
ومِن خاصية هذه الصخور أنَّها قابلة على إحداث صوت
موسيقي عذب إذا ما وطأت عليها بقدمك، أو عزفت عليها بحجر صغير، والدراسات تثبت أن
الإنسان القديم في العصر الحجري قد استعان بهذه الحجارة (الصوان) في صناعات عديدة
لاستخدامها في حياته اليومية؛ بما فيها وسائل الترفيه والتسلية.
وليس من المُستبعد أن اختيار واستخدام الإنسان
القديم لهذه الحجارة في بناء تلك الخلايا الحجرية كمقابر أو محجر صحي أو للدفاع، هي
دلالة على رُقي ذلك الإنسان مُنذ قدم التاريخ بمشاعر الإنسان الشخصية، واهتمامه
باحتياجاته الروحية والنفسية حيًّا أو ميتًا.
الكَثِير من هذه الأبراج حجارتها متساقطة، وتم نقل
بعضها للأسف الشديد لاستخدامات البناء، إلا أنَّ معالمها باقية بارتفاعات مُختلفة،
ويقدر ارتفاعها قبل تهدمها ما بين 3 و4 أمتار، وهي على شكل دائري يُقدَّر قطرها ما
بين 3 و4 أمتار أيضا، وتمَّ تأسيسها على قاعدة صخرية، بعيدة عن مجاري الأودية
وتأثيرات الطبيعة.
والوُصُول إلى تِلك الأبراج يحتاج لياقة؛ فهو
يتطلب نزول واد عميق وعبور تلال صخرية مكتسية بالشكاع والسمر، إضافة لصعود تلال
صخرية وعرة شديدة الانحدار، ويفضل زيارتها في وقت اعتدال الجو.
دَعْوَة لدراسة هذه المواقع، والمُحافظة على هذه
الأبراج وترميمها، والعمل على تطوير البيئة المحيطة بها؛ فهي تُشكل وجهة سياحية
مُهمة، إذا ما استُثمرت وسوِّقت بطريقة صحيحة؛ لما تختزنه من تراث طبيعي، غاية في
الجمال والروعة.
الخميس، 3 أغسطس 2017
المكانيك سعيد بن خميس الشيرازي
كانتْ الجِمَال والحمير الوسيلة الوحيدة للتنقل من
مكان إلى آخر في بلدتنا، إضافة للبدانة والهواري والخشب البحُرية الأخرى، ومع
بداية الستينيات من القرن المنصرم ظهرتْ سيارات الدفع الرباعي لأول مرة، اقتناها
بعض الأفراد المغمورين بما هو جديد، وبعدد محدُود جدا، نظرا لصعوبة إجراءات الحُصُول
على تصاريح الشراء، ورخص القيادة.
صَاحَب دُخُول تلك السيارات إلى بلدتنا ظهور
واستحداث بعض المفردات الجديدة؛ فمع مرور الوقت أصبحت ضمن ألفاظ لهجتنا الدارجة
العامة والخاصة، يتداولها الناس فيما بينهم؛ منها: موتر، هندل، مكينة، بدي، غمارة،
سُكان، جير، دبل، غيار، سيت، طربال، عريبيا، لاندروفر، لاندكروزر، بدي فورد، صدام،
بيكاب، شاحنة، نكال، شيول، نساف، لاديتر، بنشر، تاير، إسبير، تيوب، رقاع، رنجات،
بترول، آيل، جريز، باتري، بلكات، سلنسر، دبة، جامة، أكسل، انجيز، نول، قلتر آيل،
فلتر بترول، كاربيتر، فحمه، هندل بريك، بريك، سفايف، بريكدون.. وغيرها من الألفاظ.
كَانَت تلك السيارت القديمة تسلك طرقا ترابية
وجبلية وعرة، مهدتها دائرة التحسينات في ذلك الوقت، تمتدُّ من وادي مجلاص، فالسليل،
وواحة حطاط، وُصُولا إلى وادي عدي، ثم إلى مطرح ومسكد (مسقط القديمة).
كان التنقُّل عبر تلك السيارات بمثابة سفر بعيد،
وتتخلله مشاق صعبة، ناهيك عن الغبار والتوقف المُستمر لإصلاح محركها وإطاراتها؛
حيث كانت معرَّضة دوما للتعطل، بسبب الصخور والارتفاعات الجبلية، إضافة لاكتنازها
بالركاب جلوسا ووقوفا، وفي كل فسحة مكان من بدنها الحديدي.
لم تكُن ورش إصلاح السيارات معروفة كما هي عليه
اليوم، كما لم تعرف بلدتنا أي وافد متخصص في هذه الخدمة، فكان صاحب السيارة
والركاب جميعًا يشتركون في إصلاح السيارة إذا ما توقفت في الطريق، وكانت التجربة
والمُمارسة طريقتهم الوحيدة في التعلم والتعامل مع مُكونات تلك السيارة.
مع مُرُور الوقت، وازدياد عدد السيارات، خاصة مع
بداية النهضة المُباركة في بداية السبعينيات من القرن الماضي، انبرى سعيد بن خميس
الشيرازي مُتخصِّصا ومُتفرِّغا في إصلاح السيارات، فعلَّم نفسه بنفسه، واكتسب
الخبرة من غيره، ففتح ورشة صغيرة ملاصقة لبيته.
فمع إشراقة شمس كل يوم، تجده في ورشته بنشاط
وحركة، يستقبل زبائنه بابتسامة ومحبة وصدق، فكانت تلك الورشة مصدر رزقه وأهله إلى
وقت قريب.
كَان يتعامل مع كلِّ جزء من السيارة بيده وفكره
وخبرته، لم يرد أي شخص تعطلت سيارته، فكان مُتواضعا وخدوما للجميع وفي أي وقت
ومكان، حتى في وقت راحته ليلا أو نهارا؛ فمتى طلبتُه تجده معك برحابة صدر. تحمَّل
كثيرا صعوبة العمل ومشاقه؛ نظرا لعدم توافر تلك المعدات المساعدة في إصلاح السيارت
كما هي عليه اليوم.
في بداية التسعينيات، أجريتُ معه حُوارا صحفيًّا،
سرد فيه قصة عمله مع إصلاح السيارات، فكان فخورا جدا بعمله ومتقنا له، كان يحتفظ
بقصاصة تلك الجريدة بمحبة وفخر، ويذكرني بها في كل لقاء معه.
قبل سنوات باغته المرض فقسا عليه، كان صبورا جلدا
مع شدة المُعاناة والألم، خاصة لفقده مصدر رزقه وورشته القديمة، كم كان يحن عليها
وهو على فراش المرض، حدَّثني ذات مرة والدمعة في عينيه لعدم تمكنه من فتح ورشة في
المنطقة الصناعية الجديدة.
عِنْدَما تنظرُ وتتأمَّل يده تجد فيها سِجلًّا
مشرفا، حفر فيها اسم كل سيارة قام بإصلاحها على مر أكثر من خمسة عقود.
غادَر الميكانيك المعروف سعيد الشيرازي الدُّنيا
مُنذ فترة، تاركًا محبة الناس ودعاءهم له بالخير، كما ترك مدرسة مخلصة في حب العمل
والإخلاص فيه.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)