يَصطفُّ مَجمُوعة مِنَ الصَّيادين فِي خطٍّ مُستقِيمٍ عَلى
سِيف (بكَسْر السِّين) البَحْر، لا يتقدَّم الواحد الآخر حتَّى لا يُعَاقب ويُحْرَم
مِن الصَّيد، تُلَامِس أرجلُهم المُبلَّلة بالمَاء والرَّمل آخِر مَوْجَة للبَحر،
يتكتَّفون شَبَكة مُتوسِّطة الحَجم، تُسمَّى المغدفة أو الغل، مَصنُوعة مِن خُيُوط
البج الصَّديقة للبِيئَة، والمَصبُوغة بعُشبَة الكَلكل الجبليَّة، كَانَت تِلك الشِّبَاك
أو اللِّيوخ تُنسَج عَلى يدِ الرِّجال والنِّساء، ولهَا عُيُون صَغِيرة حتَّى تُعلق
فيها أسمَاك البريَّة الصَّغِيرة.. على الشَّاطئ يَقِف رجلٌ كبيرٌ فِي السنِّ، مُتوكِّزا
عَصَاته الغَلِيظة المغرُوسَة فِي الرَّمل، فيَنْهَم بأعلَى صَوتِه: "ايه
رباعه خواضة".. يَنطَلق الصَّيَادون معًا إلى عُمقِ البَحْر، فيَبسُطون شِبَاكهم
فِي المَاء، ثمَّ يرفعُونَها، ويعُودُون بِهَا إلى المسبَاخ، فينثُرون تِلكَ
الأسماكَ الصَّغيرة، وهي تُعَانِق الأرضَ وتُقبِّلها... تِلكَ هِي تقنيَّة صِيد قَدِيمة
لم تَعُد مَوجُودة فِي هَذا الزَّمان، ولَكِن كتاب "قُرَّيات.. مَلَامِح مِنَ
التُّرَاث الزِّرَاعي والبَحْري" قَد احتَوَاهَا ووثَّقها، وفصَّل طَرِيقَتها
وعَادَاتِها.. مَحبَّتي.
هذه بعضُ الذكريات، والمشاهد، والانطباعات، والمشاعر الشخصية، التي واكب بعضُها منظرًا لصُورة التقطتها من البيئة والطبيعة العُمانية، أو ذكرى من التاريخ والتراث الثقافي انطبعت في الذاكرة والوجدان، أو تأثر وانطباع خاص تجاه موقف أو مشهد من الحياة، أو شذرات من رُؤى ونظرة مُتواضعة إلى المُستقبل، أو وجهة نظر ومُقترح في مجال الإدارة والتنمية الإنسانية.. هي اجتهادات مُتواضعة، من باب نقل المعرفة، وتبادل الأفكار والخبرات، وبهدف التعريف بتراثنا الثقافي (المعنوي، والمادي، والطبيعي)، ومنجزنا الحضاري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.