تَابَعتُ فِي تليفزيُون السَّلطَنة حَلَقة لبَرنَامج «رؤية
اقتصاديَّة»، نَاقَشَ فِيه البَرنَامج مَوضُوع "المَرأة.. وتَنْسِيق جُهُودها
لانتخاباتِ أعضَاء مَجلِس الشُّورى للفترةِ التَّاسِعة"، وعَادَة هَذا البرنَامج
-حسب تَسمِيته- يُعنَى بالشأنِ الاقتصاديِّ، إلا أنَّ الاقتصادَ قد أصبَح اليومَ يُشكِّل
عَصَب الحَياة، وهو ذُو عَلَاقة بكلِّ مُجرَيات الحَيَاة وتشكِيلَاتِها: السياسيَّة،
والاجتماعيَّة، والثقافيَّة.
المَرأة العُمانيَّة فِي مُختَلف مَرَاحل التَّارِيخ العُمانيِّ
القدِيم والحَدِيث، لَعِبتْ دورًا محوريًّا في مُختَلف مَجَالات الحَيَاة، بِمَا فِيهَا
السياسيَّة، وَلَها مَكَانة رَائِدة فِي المُجتمع مُنذ القِدم، والتَّاريخ سطَّر
بأَحْرُف من ذَهَب لعددٍ مِن نِسَاء عُمان، اللاتِي كَان لَهُن الرِّيادة والتأثِير
فِي الحَيَاة العَامَّة، بجَانِب دَورِها الرَّئيس -بجَانِب الرَّجل- في تأسيسِ
البنيانِ الاجتماعيِّ، والنِّظَام القيميِّ للمُجتمع، وهي بِذَلك تَسِير وِفقَ خُطَى
ثابِتَة، تؤكِّدها القَوَاعد الكليَّة، والمَبَادئ العَامَّة، والقِيَم الإنسانيَّة
للشَّرِيعة الإسلاميَّة.
وعَلَى مَرَاحل التطوُّر الاجتِمَاعي، والثَّقَافي للمُجتَمع،
وتقدُّم التَّنمية الإنسانيَّة في عُمان في عَصْر النَّهضَة المُبَاركة، تجلَّى مَبدَأ
تَمْكِين المَرأة لمُمَارسة دَورِها، ومُشَاركتها فِي الحياةِ العامَّة بصُورَة
أوسَع، وأَصبَحَت المرأة تُشكِّل عُنصرا مؤثرًا ومُهمًّا في صُنع العَدِيد من الإنجازاتِ
فِي مُختلف مَسَارات الحَيَاة السياسيَّة، والاقتصاديَّة، والثقافيَّة، والاجتماعيَّة،
كَمَا كَان لَهَا حضورٌ مُتقدِّمٌ فِي مَجَال العملِ التطوعيِّ، لا سيَّما فِيما
يتعلَّق بقطاعِ الأسرة، وإدارةِ شأنِ المرأة، والعملِ الاجتماعيِّ والثقافيِّ
بتجلياتِهِ المُتعدِّدة، بِمَا يتَوَافق مَع ثَوَابت المُجتمع، ومُتطلَّبات العَصْر.
وَقَد أكَّدت كَافة تَوجُّهات الدَّولة وقَوَانينها، وعَلَى
رَأسِها النظامُ الأساسيُّ للدولة على ضَمَان تحقيقِ العَدَالة الاجتماعيَّة، وتَكَافؤ
الحُقُوق والفُرَص بَيْن جَمِيع المُواطنين، ذكورًا وإناثًا دُونَ تَميِيز، وقَد
أثبتتْ المَرأة العُمانيَّة بالفِعل مَكَانتها وجَدَارتها فِي خدمةِ وَطَنها،
فتجدها فِي كلِّ مَيَادين العَمَل الوطنيِّ، تَعْمل بجَانِب الرَّجل مِن أجلِ رِفعة
وَطَنِها ومُجتَمعِها، بكلِّ جدٍّ، وإخلاصٍ، وتفانٍ، ومَثَابرة.
ومَع انطلاقِ التجربةِ الانتخابيَّةِ في عُمان، والتي مرَّت
بمَرَاحل مُشرِقة مِن تَارِيخ عُمان الحَدِيث، حَظِيت المَرأة العُمانيَّة بالثِّقَة
فِي المُشَارَكة فِي العمليَّة الانتخابيَّة، كنَاخبةٍ ومُرشَّحة، مُنذ الفترةِ
الثانيَّة لانتخاباتِ مجلسِ الشُّورى (1994-1997م)، والتِي اقتصرتْ فِي بَدَايتها
عَلى وَلَايات مُحافظة مَسقط، ثمَّ تمَّ توسيعُ هَذِه المُشَاركة على مُستَوى
ولاياتِ السَّلطنة كافَّة، مَع بَدْء تَرْشِيحات الفترةِ الثالثةِ للمجلسِ
(1997-2000م).
القَارِئ لمَسِيرة مُشَاركة المَرأة العُمانيَّة في التَّجرِبة
الانتخابيَّة عَلَى فَتَرات مَجلِس الشُّورى المُختَلفة، ومُنذ مَنْحِها حَق الترشُّح
والتَّرشِيح لهَذِه الانتخابات فِي العَام 1994م، يَجِد أنَّ تمثيلَها فِي مجلسِ
الشُّورى قَد اقتصَر على بَعْض ولَايَات مُحافظة مَسْقط دُون غَيْرها؛ فَقَد
احتفظتْ بمقعَديْن فِي المجلسِ حتَّى نهايةِ الفترةِ الخامِسَة لمجلسِ الشُّورى،
ثمَّ خَسِرت هَذا التَّمثيل مَع انتخاباتِ الفترةِ السَّادسة، ثُم عَاد تمثِيلها
بمقعَد وَاحِد حتَّى الفترةِ الحَالية.
هَذَا التَّذبذُب فِي فَوْز ونَجَاح المَرأة العُمانيَّة فِي
الانتخاباتِ لمَجلسِ الشُّورى يُوَاجه تَحدِّيات عَدِيدة، يَجِب دِرَاستها والوُقُوف
عِندَها، فعَلَى الرَّغم مِن نَجَاح مُشَاركة المَرأة وبجَدَارة فِي مُختَلف قِطَاعات
التَّنمية بالدَّولة -حكومةً، قطاعًا خاصًّا، مُؤسَّسات مُجتَمَع مَدَني- إلَّا أنَّ
تمثيلَها فِي مجلسِ الشُّورى لَا يَزَال مَحدُودا دُون الطُّموح، وهُو أيضًا لا يُمثِّل
الثِّقل والشَّريحة الوَاسِعة للمَرأة في التَّعدَاد العَام للسُّكان، وكَذَلك الكَثَافة
العَدديَّة المُتناميَة مِن بَيْن المُسجَّلين أو المُقيَّدين فِي السجلِ
الانتخابيِّ للنَّاخبين، وأيضًا نِسَبة مُشَاركة المَرأة فِي العمليَّة الانتخابيَّة
فِي كلِّ فَتْرة.
لَا شَكَّ وَرَاء هَذَا التَّراجُع فِي تَمثِيل المَرأة تَحْت
قُبَّة مَجْلِس الشُّورى، ونَجَاحها فِي الانتخابات، لَهُ أسبابُه وتحدِّياتُه، مِنهَا
مَا هُو طَبِيعي، والزَّمن كَفِيل بتَغيِيره، ومِنهَا مَا يَحتَاج إلى جَهْد مُجتَمَعي
مُشتَرك، وعَمَل مُؤسَّسي مُنظَّم لتغيِيرها، وتَصِحيح مَسَارها، خَاصَّة فِيمَا
يتعلَّق بتحديدِ أَدْوَار ومَسؤُوليَّات النَّوع الاجتِمَاعي، وثِقَة المَرأة بنَفْسِها،
وتِلك التِي لَها ارتباطٌ بالاتجاهِ النفسيِّ والاجتماعيِّ للسلوكِ الانتخابيِّ،
والتَّنشِئة الاجتماعيَّة للأجيَال، والوَعْي الجَمْعِي، وتَطوِير مَنظُومة القِيَم
الاجتماعيَّة والثقافيَّة، والصُّورَة النَّمطيَّة التي يَرسمُها بَعْض أفرادِ
المجتمعِ لدَوْر المَرأَة.
إِضَافَة إلى ضَرُورة رَفْع الوَعي لأهميَّة تَطْبِيق مَجْمُوعة
مِنَ المَفَاهِيم الحَدِيثة فِي مَجَال التَّسويق الانتخابيِّ، لإدارةِ الحَمْلة
الانتخابيَّة للمُترشِّح للانتخابات، وَكَذلك تِلك التي تُبرِز الأدوارَ التي يَقُوم
بِهَا مجلسُ الشُّورى، والصَّلاحِيات المَمنُوحة لَه؛ فعَادَة قوَّة الأدَاء وفَاعليَّته،
وتَسوِيقه بطَرِيقة صَحِيحة وواقعيَّة، ينعكسُ إيجابًا على تَطوُّر وتَقدُّم العمليَّة
الانتخابيَّة، واتِّساع المُشَاركة فِيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.