قديمًا، وقَبْل ظُهُور التكنُولُوجيا الحَدِيثة وطَفرتِها فِي
عَالم الصَّحافة المَقرُوءة، كَان هُناك رسَّام لصَفَحات الجَرِيدة قَبل دُخُولها
فِي مرحلةِ الطِّباعة؛ ذَلِك الفني بمَثَابة فنَّان لَدَيه خَيَال ومَهَارة فَائِقة
في تَوزِيع المَادة الصَّحفيَّة على مِسَاحة كلِّ صَفْحة مِن صَفَحات الجَرِيدة.
عِنْدَما تُوضَع أمامَه المَادة الخبريَّة والإعلاميَّة مَكتُوبة
بخطِّ اليد، ومَا يُرَافقها من عَنَاوين وصُوَر، وبَعْد أنْ حَجَز مُسبقا المسَاحَات
المُخصَّصة للإعلانات، يَبدَأ فِي تقديرِ مسَاحَة كلِّ مَادة ليحدِّد مَكانَها المُناسِب
فِي الصَّفحة، ويتمُّ ذَلِك بحُضُور مُحرِّر الصَّفحة طبعًا، فهُناك الأهمُّ فالمُهِم
حَسْب رُؤية المُحرِّر وقيمةِ المَادة وأهميَّتها.
كَان ذَلِك الفَرد لَديهِ مقُدرةٌ ومَهَارة عَلى حِسَاب عَدَد
الحُرُوف والكَلِمات، وفِي سُرعَة فَائِقة، ليحدِّد المسَاحَة المطلُوبة مِن الصَّفحة؛
سواءً كان بالعمُود، أو بالمقَاييس المُعتَمدة لدَى الصَّحيفة.
لهَذَا، فعِندَما يكتُب أيُّ صَحَفي مَادَة صَحفيَّة، عَليه
أنْ يُرفِق ضِمْن المَادة المكتُوبة الصُّور المكمِّلة للمَوضُوع، وينبَغِي أنْ يِكتُب
شرحًا وتعريفًا مُختَصرًا عن تِلك الصُّور، يَظهر في الصَّفحة تَحت كلِّ صُورة،
ويسمَّى ذَلك حَسْب مُمَارستي: كَلَام الصُّور، أي للصُورة كَلَام، طبعًا الوَسَائل
الآن اختلفتْ، وأصبحتْ أكثر يُسرًا عمَّا كَان عَليه الأمر فِي ذَلِك الزَّمان.
مَا أردتُ قَوله أنَّ الصُّورة (فوتوغرافيَّة، رسمًا أو
تشكيلًا، نحتًا)، بِمَا تُشكِّله مِن واقعيَّة للزَّمان والمَكَان والخَيَال؛ فهي
أيضًا تُمثِّل سردًا أدبيًّا راقيًا جدًّا، حَالها كَحَال صُنوف الأدَب الأخرى،
وهي أكثَر فَاعليَّة ومُتعَة لدَى القارئ والمتلقِّي، ويُمكِن مِن خِلالها تَوْصِيل
فِكر وجْدَاني وانطِبَاعَات خياليَّة ورَسَائل إنسانيَّة عَمِيقة ومُؤثِّرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.