الاثنين، 18 مايو 2015

رأس أبو داود

في مَطْلع التسعينيات من القرن الماضي، رافقتُ فريقاً إعلاميًّا لتصوير بعض المشاهد التليفزيُونية لشواطئ قُريات، لإعداد تقرير تليفزيُوني عن شواطئ الوُلاية.
بدأنا من شاطئ مكلا وبر في فنس حتى رأس أبو داود القريب من السيفة، وعلى الرغم من جمال هذا الشريط الساحلي، إلا أن رأس أبو داود -أو راس بوداود، بلهجة أهل الساحل- كان الأجمل تأثيرا على نفوسنا.
لَعلَّ انبهار الزيارة الأولى كان للمكان، وتجليات حكاياته الأسطورية والتاريخية عبر قرون من الزمن والراسخة في الأذهان.
لم يحظَ هذا المكان بالدراسة والاهتمام على الرغم من أهميته التاريخية والطبيعية والسياحية؛ فهو عبارة عن رأس جبلي ممتد في عمق البحر، ويُشكل نهاية لمسار جبل السعتري المشهور محليًّا بنباتات طبية عديدة، وعلى رأسها شجرة الزعتر (السعتر).
قديمًا، كان رأس أبو داود أكثر شهرة، وذلك في فترة ما قبل اختراع السفن البخارية، وتحول الملاحة البحُرية عبر المحيط إلى مسارات جديدة؛ فكان علامة بحُرية مشهورة لمسار السفن العابرة للمحيط الهندي وبحر عُمان، وكذلك للسفن المتجهة إلى مسقط ومطرح وساحل الباطنة وُصُولا إلى مدخل الخليج العربي.
أَضِف إلى ذلك أنه كان بمثابة حوض طبيعي تلجأ إليه السفن قديما للاحتماء من التيارات البحُرية وعواصف الحيمر والرياح الشديدة... وغيرها من الأنواء البحُرية والجوية؛ وذلك لطبيعة المكان وعمق البحر وتكوينه الجيولوجي.
لهذا المكان سحر جمالي أخاذ، تتجلى فيه كل عطايا الجُغرافيا الطبيعية في عُمان: هدوء المكان، وسكون الطبيعة، وتنوع التضاريس، وتعدد الحياة الفطرية البرية والبحُرية، كما تقع بالقرب منه مصائد سمكية غنية بالثروة السمكية.
تَسمَع لأمواج البحر الهادئة سيمفونية طبيعية عندما ترتطم بحنية على الصخر، وتتداخل في فوالق الصخر وشقوقها بطريقة مذهلة، محدثة صوتا موسيقيا عذبا تعزفه الطبيعة.
كان أهل قُريات وأهل السيفة يصلون إليه مشيا، أو على الدواب، أو بقوارب الشراع والغادووف. اليوم، البحر قد ابتلع الكثير من الشاطئ، خاصة بعد ما خلفه إعصارا "جونو" و"فيت" قبل سنوات قريبة من تغيير لمعالم الطبيعة في قُريات؛ الأمر الذي غيَّر الكثير من المسارات القديمة إلى ذلك المكان الرائع في عُمان.
لَا أدري لِمَ لا يُهتم بهذا المكان ويُتخذ معلمًا سياحيًّا بارزا؛ فهو قريب من مدينة مسقط العامرة، وإذا ما تم تطويره وشق إليه طريق بحري يربط مسقط بشرقية عُمان سيكُون لهذا الطريق شأن عظيم في تعزيز صناعة السياحة الشاطئية في عُمان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.