كَان الشواوي (رُعَاة الأغنام) سُكَّان الصحاري والجِبَال والحيُول، يُشكِّلون
قيمةً مضافةً في الاقتصاد المحلي؛ فإنتاجُهم من اللحوم والحليب ومُشتقاته كان سببًا
في تحقيقِ الاكتفاءِ الذاتيِّ للطلب المحلي وللتصدير أيضًا؛ فكانت الأجبانُ والسَّمن
العُماني مُتوافرة طوال الأعوام، وبأسعار تنافسيَّة.
مُنذ فترةٍ، التقيتُ بمَن كانَ يمتهنُ هذه المهنة، فسألتُه عن إمكانية
الحصول على سَمْن غنم، فقال لي: "نحنُ في بيوتنا اليَوْم نعتمدُ على الزيوت
المستورَدَة"، فقلتُ له: "أشاهد قطيعًا من الأغنام تَرعَى". قال: "لَمْ
تعُد الأحوال كَمَا كانت"!
تذكَّرَ حينَها ذَلِك الرجلُ ذكرياته القديمة، فحَكَى لي أنَّه يومًا نَزَل
أحد رُعَاة الغنم إلى السُّوق القديم، ومَعه كَمِّية من السَّمن المقشود، وعند عَرْضِه
لِذَلك السَّمن على أحدِ التجار، أجابَه بأنَّ دُكَّانه مليئًا بالسَّمن، يُؤتى به
من كلِّ مَكَان، وعندما يَئِس الرَّاعي من بَيْع ذلك السمن، حمل قربته المَلِيئة
بالسَّمن، فسقى بها غافة السفافير.
ويُحكَي أيضًا أنَّ راعيًا من جِبَال سلماة زار صديقًا، فعَرَض عليه قربة
سَمْن، فرَّده، لوُجُود كَمِّيات كبيرة من السَّمن في مَطْبَخه، فمَا إنْ سَمع الرَّاعي
ذلك الكلام، فخَرَج بقُربته، فأغدقها على جِسْمِه كحمام زيتي.. الشَّاهد من ذلك: لم
نَعْرِف قديمًا إلا طَعْم السَّمن العُماني، فطعمُه ورائحتُه لا تضاهيهَا أي سَمن
في العالم، فاليَوم أصبح نادرًا.. فهل يعُود ذلك الخير من جديد؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.