فِي بداية تسعينيَّات القرنِ المُنصرم، تشرَّفتُ برئاسة اللجنة الثقافية
والفنية بنادي قُريَّات، هي مَرحَلة جميلة من عُمري، سأكتبُ عنها يومًا من بابِ نَقل
الخِبْرَات والمَعَارف، وتوثِيق المُنجزات.
كُنتُ حينَها حريصًا على التنويع في إقامة الأنشطة والفعاليات: الفنية، والثقافية،
والاجتماعية؛ بحيث تُلبِّي كلَّ الرغبات والتوجهات والهوايات لجميع أفراد المجتمع،
ليُصبِح النادي بَيتَ الجميع؛ وفقَ إستراتيجيَّات وخُطط مرسومة بعنايةٍ فائقة، اشترك
في صياغتِها الجميع؛ لهذا تحقَّقتْ الرُّؤية، والرِّسالة، والأهداف، والغايات.
كَان المسرحُ ضِمن أولويَّات واهتمامات مجلس الإدارة؛ فهو يُشكِّل رسالة
وحلقة مُتصلة ومُتَواصِلة أسَّسها الرُّواد وعُشاق المسرح منذ عَهدٍ قدبم، وما نحنُ
إلا مُكمِّلين للمسيرة.
لم تَكُن هُناك خشبة مُتكاملة للمسرح بالنادي، إلا غُرفَة صغيرة على الزَّاوية
الشمالية الشرقية من المبنَى القديم في الساحل، وعندما توالتْ العُرُوض المسرحية
والفنية لفرقة مسرح النادي، التي تشكَّلت نواتُها في تلك الفترة، أصبحتْ الحاجة مُلحَّة
لوجود مسرح يلبِّي طموحات الشباب.
تَدَارَس مجلسُ الإدارة الأمر؛ فكانت ميزانيَّة النادي ومُخصَّصاته
المالية حينها لا تَتَجَاوز أربعة آلاف ريال في السنة، تُصرف جميعُها لمصروفات
الكهرباء والماء ولأنشطة النادي جميعًا، وكان للرياضة نصيبُ الأسد من الموازنة طبعًا.
فكَّرنا جميعًا؛ فقررنا حينهَا لا بُد من وُجُود مسرح؛ فكانت الخُطَّة: كما
تمَّ إنشاء أول مَلعَب مُعشَّب في تاريخ النادي بالجهود الذاتية، يتمُّ أيضًا
إنشاء المسرح الثابت لأبناء هذا النادي العريق بنفس الطريقة.
فشُمِّرتْ سواعدُ الجد؛ فكان الاتصال والتواصل بالمجتمع؛ فبَادَر الجميع
بما يتوافر، فنهضَ المسرحُ بتلك الإمكانات البسيطة، وتوالتْ العروض المسرحية
والفنية، ووقفَ على خشبته نجومُ المسرح في عُمان، خاصَّة أعضاء مسرح الشباب؛ حيث
كان آخرهم المرحوم الفنان القدير سالم بهوان.
كَانت عيون المخرجُ العُمانيُّ المبدع عبدالكريم جواد على هذا المسرح؛ فكَان
دعمُه وتشجيعُه لا يُنسى؛ فاختَار من نجومه من يَدْعَم أنشطة مسرح الشباب،
والمسرحيات التي قام بإخراجها.
على خشبةِ هَذَا المسرح كانتْ مسرحية "أحلام تحققت"، تِلك
المسرحيَّة التي مثَّلت مُحافظة مسقط بمناسبة العيد الوطني المجيد في العام 1995م،
والتي كَانتْ يومها على شَرَف كِبَار المسؤولين، وطلاب جامعة السلطان قابوس،
وأساتذتها الكرام.
وَمَن أرادَ التعرُّف على نادي قُريَّات ومُنجزاته منذ تأسيسه، فليرجِع
إلى كتاب "قُريَّات.. والإنجاز"، الذي صَدَر بمناسبة تحقيقِ النادي دِرعَ
دوري الدرجة الثانية وصُعُوده إلى الدرجة الأولى لكرة القدم، في مَوسميْن مُتتالييْن،
وكذلك هو فريقُ الطَّائرة والفرق الرياضية الأخرى المُمثِّلة للنادي، وقد وثَّق
أيضًا تلكَ المنجزات والتاريخ كتاب "قُريَّات.. ماضٍ عريق وحاضر مُشرق"
في طبعته الثالثة.
وَمَع بدايةِ التخطيطِ لمنشآت النادي الجديدة في مَكَانِها الحالي، كُنتُ
من أشدِّ المتمسِّكين بهذا الموقِع الجدِيد بعد دراسةٍ وقراءةٍ للمستقبلِ على الرَّغم
مِن مَعَارَضة البعض؛ لما يمتازُ به هَذَا المكان من تَخطِيط حديثٍ وسِعَة وكثافة
سُكَّانية مُتوقَّعة ومُتزَايدة في المُستقبل؛ فكَان المسرح ضِمْن أولويَّات مجلسِ
الإدارة عند تصميمِ تلك المنشآت، وهذا مَا كَان.
ولكَوْن الإدارات في الأندِية هي عمليَّة تداولية من جيلٍ إلى آخر؛ لتجديدِ
الفِكْر، ومن أجْل التغيير إلى ما هُو أفضل -حَسْب قناعاتِي الشخصيَّة- تركتُ
حينها المجالَ لغيري، ليُكمل المسيرةَ، ولأتولَّى فيما بعد أمينًا لسرِّ النادي
لسنوات، فكان للمسرح ما كان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.