في العام 2011م، أصدرتُ رسالة مُتواضعة ومختصرة
عنونتها "التسويق الانتخابي: بوابة النجاح في الانتخابات"، وقد جاءتْ
فكرة هذه الدراسة بعد صُدُور المرسُوم السلطاني رقم 39/2011، والذي بمُوجبه دخلتْ
تجربة انتخابات مجلس الشورى إلى مرحلة نوعية في المُمارسة الديمُقراطية؛ حيث تمَّ
تعزيز مُستوى أداء مجلس عُمان (مجلس الشورى، مجلس الدولة)، وتوسعة الصلاحيات
التشريعية والرقابية لمجلس الشورى.
قُلت في نفسي: من المُهم جدًّا أن تواكب هذه
النقلة النوعية في الاختصاصات، نقلة نوعية أيضًا في عملية اختيار أو انتخاب أعضاء
مجلس الشورى من قِبل الهيئة الانتخابية، ومن المُهم جدًّا أيضًا أن يصل إلى المجلس
كفاءات وقدرات يُعوَّل عليها في عملية صناعة وصياغة التشريعات العصرية، ضمن مسيرة
تنموية إنسانية شاملة ومُستدامة، رَسَم معالمَها قائد البلاد المفدى -حفظه اللهُ
ورعاه ومتعه بالصحة والعافية، مُنذ انطلاقة عهده المُبارك عام 1970م، والتي شملتْ
عُمان من أقصاها إلى أقصاها، وفي شتى مجالات الحياة.
لهذا؛ عكفتُ أيامًا وليالي للخروج بدراسة مبسَّطة
وسهلة في المحتوى والمضمُون والخطاب، وفي اللغة والمفردات، يُمكن أن تكُون في مُتناول
جميع المترشِّحين للانتخابات، وقد نَفَعتنِي كثيرا الحصيلة العلمية والمعرفية
المُتواضعة في فترة دراستي للمرحلة الجامعية الأولى والثانية، إضافة لاطلاعي على
بعض تجارب الدول العربية والأجنبية؛ سواءً من خلال الزيارة والاطلاع المباشر، أو
القراءة والاطلاع والاستفادة من الخبرات والمعارف الضمنية لبعض الأساتذة والأصدقاء.
أضِف إلى ذلك أنني عاصرتُ وعشتُ تجربة تطوُّر مفهُوم
الشورى في السلطنة مُنذ بداية عهد النهضة المُباركة؛ سواءً كان ذلك في المُمارسة
المُجتمعية؛ كَوْن الشورى منهج الحياة الاجتماعية لدى الإنسان العُماني أو في
إطارها المؤسسي، الذي أخَذ مبدأ التدرُّج المنطقي والمدروس في إنشاء المُؤسسات
التي تُعنى بالشورى وآليات اختيار أعضائها، وفق القيم والثوابت العُمانية، وتطوُّر
المُجتمع وتقدُّمه في شتى مجالات الحياة: الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية.
كَمَا كانت لي مُشاركة مُتواضعة في عِدَّة لجان، عَنِيَت
بعملية تنظيم الانتخابات مُنذ بداية عهدها، وأذكر أنه في العام 2007م كُنت عضوًا
في اللجنة الإعلامية الرئيسية للانتخابات للفترة السادسة، وكان حينها التوجه هو
زيادة قاعدة المقيَّدين في السجل الانتخابي، وطالبتُ حينها بأن السجل الانتخابي
يجب أن يصل إلى المُواطن، ولا ينتظر المُواطن الوُصُول إلى مواقع اللجان من أجل
تسجيل اسمه.
وَقَد عملت اللجنة الإعلامية جاهدةً، ضمن
إستراتيجية مدروسة وواعية، لبث الوعي وتثقيف الرأي العام لأهمية المُشاركة في
الانتخابات، وشُكل منها فريق طاف جميع ولايات السلطنة لهذا الغرض، إضافة إلى
الإصدارات الإعلامية والتوعوية العديدة، التي أخذتْ في مجملها طرائق عصرية، واستخدمت
كافة وسائل الاتصال والإعلام، وقد نَجَحَت اللجنة في مُهمتها؛ فقد حقق السجل
الانتخابي زيادة مُضطردة في عدد الناخبين تزيد على 50% عن المرحلة الخامسة
للانتخابات، وبمُشاركة فعلية زادت على 63% في عملية التصويت.
المُهم، لقد أصدرت تلك الدراسة في كتاب عام 2011م،
حمل عُنوان نفس عُنوان الدراسة: "التسويق الانتخابي: بوابة النجاح في
الانتخابات"، كان حجمُه صغيرًا يُمكن أن يحمله القارئ في أي مكان، ويُمكن أن
يتصفَّحه حتى في مكان انتظار، أو أثناء تنقله وسفره، بلغةٍ سهلةٍ جدًّا تتناسب مع
كافة المُستويات الثقافية، تطرَّقت فيه إلى أهمية التسويق في حياة الإنسان، وركَّزت
فيه على كيف يمكن أن يسوق المترشح أو المرشح نفسه للانتخابات.
المُرشح للانتخابات هو بمثابة مُنتج بما يتميَّز
به من صفات شخصية وغير شخصية؛ سواءً كانت مُؤهلاته العلمية وخبراته العملية وصفاته
القيادية، أو بما يحمله من برامج وأفكار ورُؤى وقدرات شخصية في الاتصال والحُوار
والإقناع، ومشاركات مُجتمعية فاعلة.
فعمليَّة خَوْض الانتخابات في هذا الزمن تحتاج
بالفعل إلى جُهُود تسويقية؛ فعملية الترشح للانتخابات ليست أمرًا تشريفيًّا، بقدر
ما هي أمر تكليفي ثقيل التبعة والمسؤولية أمام الله والمُجتمع والوطن والأمة، كما
أنَّ الناخب اليوم ليس الناخب في الأمس، خاصة في ظل الوعي المُجتمعي المتنامي،
وعملية الانتخابات هي عملية تراكمية يجب أن تتطور من مرحلة إلى أخرى.
تَضمَّن الكتاب أيضًا: التخطيط المنهجي للحملات
الانتخابية وإدارتها بطريقة علمية، وأساليب الاتصال المناسبة والمؤثِّرة في ضوء
مُتطلبات وتوجهات المُجتمع المحلي، والتحديات التي يُمكن أن يواجهها المرشح في
مسيرته الانتخابية، خاصة بالنسبة للمرأة.
كَمَا لخَّصت تجربة تطور الانتخابات في السلطنة
عبر مراحلها المُختلفة، مُنذ إنشاء المُؤسسات المعنية بالشورى في عُمان؛ ليتعرف
المترشح على هذه التجربة بصُورة وافية، ويستخلص منها رؤيته ورسالته وأهدافه
التسويقية في الانتخابات؛ من خلال تجارب من سبقه في الانتخابات.
الكِتَاب طبعتُه على نفقتِي الخاصَّة، وبحلة جاذبة،
وبغلاف وأوراق مريحة وذات جودة عالية، وزَّعته على الكثير من المترشحين على مُستوى
ولايات السلطنة مجانًا، واقتنتْ وزارة الداخلية منه مجمُوعة من النُّسخ، كما اقتنت
وزارة التنمية الاجتماعية بعض النسخ من أجل توزيعها في الندوات والملتقيات التي
عقدتها للمترشحات؛ بهدف تفعيل دورة المرأة العُمانية في مجال الانتخابات.
هذه الأيام هُناك حِرَاك مُجتمعي من أجل الاستعداد
لانتخابات مجلس الشورى القادمة، زارني وتحدَّث معي بعض الأخوة الراغبين في التقدم لخوض
انتخابات المجلس القادمة، وقد أشاد جميعهم مشكُورين بمحتوى الكتاب، وتأثيره في نشر
ثقافة التسويق في مجال الانتخابات، وهي سابقة في عُمان، كما أكد لي أحد المحبين
أثناء زيارته لي، قبل أيام، ليمهد طريق ترشحه ودعمه التسويقي، والكتاب مُتوافر في
كثير من المكتبات العامة في السلطنة، وكذلك في خارجها، يُمكن الاطلاع عليه.
هُناك نيَّة لديَّ لإعادة طباعة هذا الكتاب من
جديد، خاصة وأنَّ الانتخابات القادمة سيُنظِّمها أول قانُون للانتخابات في عُمان،
والذي صَدَر مُؤخرا بمُوجب مرسُوم سلطاني من لدن جلالة السلطان المُعظم -حفظه
اللهُ ورعاه- ولهذا، ستكون المسؤُولية كبيرة على المُواطنين في قادم الأيام من أجل
اختيار الشخص المناسب لتمثيلهم في مجلس الشورى، الشخص الذي يتمُّ اختياره يجب أن
يتحلَّى بأمانة عظيمة؛ ألا وهي: رفعة شأن الأمة والوطن، وتقدم مسيرته التنموية الإنسانية
الشاملة.
لهذا، وقبل إقدام الشخص لترشيح نفسه، يجب عليه
إعداد نفسه لهذه الخطوة، ويسأل نفسه: هل هو جدير بحمل هذه الأمانة؟
فالتسويق الانتخابي -القائم على: الصدق، والشفافية،
والمسؤولية، والاحترام المتبادل، ودراسة واقع الناس، والاقتراب منهم، والاستماع
إليهم بتواضع وتقدير وحب، والتعرف على حاجاتهم، ورغباتهم، وميولهم، واتجاهاتهم
بصُورة تتَّسم برحابة الصدر، وسعة الأفق لطبيعة الناس، وأنماط شخصياتهم المُختلفة-
هو البوابة الحقيقية للنجاح في الانتخابات.