الخميس، 6 يونيو 2013

خيرات النخلة


للنخلة خيراتٌ على العُمانيين مُنذ الأزل، وهُناك أنواع عديدة ومسميات كثيرة للنخلة في عُمان، وكلُّ نوع منها يجود في موقع معين وفقا لظرُوف الطقس والطبيعة الجُغرافية للمكان الذي تُغرس فيه، وهُناك ما تكُون ثمارها مبكرة كالقدمي والنغال، وأخرى تكُون ثمارها متأخرة كالخنيزي والخصاب والخلاص.
الإنسان العُماني اهتمَّ كثيرا بالنخلة، وكانت بالنسبة له في الرعاية كالولد، فمنذ ما تكُون الفسيلة في أحضان أمها تجد المزارع يعتني بها وينظفها ويؤبرها حتى تشب وتنمو بقوة، وما إن يحين وقت انفصال الفسيلة عن أمها، تجد تلك العناية في طريقة اقتلاع الفسيلة وتغطية ساقها وخوصها ومجمُوعها الجذري حتى لا يتأثر بالجفاف.
وعِند زراعة الفسيلة في مكانها الجديد، يحرص المزارع العُماني على أن تكُون في ضاحية مناسبة من الأرض، وهُناك خطوط هندسية متتابعة تجدها في ضاحية النخيل، يرسمها صاحبها لزراعة كل صنف من النخيل، وعند غرس النخلة في الأرض يُوْضَع تحت مجمُوعها الجذري بعض النباتات الخضراء وبعض السماد، ويبتهل صاحبها بالدعاء إلى الله -سبحانه وتعالى- أن يُحييها كمَا يُحيي كل شيء بقُدرته، ويستمر طوال حياته في رعايتها، وسقيها، وتسميدها، وشراطتها، وتأبيرها.
النخلة، وما زالت، أهم مصدر للغذاء عبر التاريخ الإنساني، وفي عُمان كانت يومًا المصدر الرئيس لدخل الدولة قبل ظهور النفط، ويتمثَّل ذلك في إنتاج نخيل الأوقاف وبيت المال، وما يُجمع من زكاة التمور والثمار؛ فالنخلة شجرة مُباركة عبر السنين والأزمان.
عادةً ما تُشبه الفسيلة أمها، أي تكُون من نفس النوع والفصيلة، والتي تنمو عن طريق النوى يسمُّونها نبتة، أي مجهُولة النوع، وثمارها تُسمى نشو، وكثيرٌ منها يكُون فحلًا أي ذكر النخلة؛ فنخيل البلح ثنائي المسكن، فهُناك نخل ذكري وآخر أنثوي، وكلاهما يخرج عراجين، وتتم عملية استخراج اللقاح، ويسمى النبات، وكذلك تلقيح النخلة بطريقة فنية لا يُجيدها أي أحد إلا المتخصص، ويسمى ذلك بالتنبيت.
لثِمَار النخيل مراحل تبدأ بمرحلة الطلع، ثم التنبيت، ثم التحدير، ثم الخرافة، وأخيرا الجداد.. ومُسميات نضوج ثمرة النخيل تبدأ بالطلع، ثم بلح أخضر معلق بالشماريخ يُطلق عليه العنجزيز، ثم الخلال، فالصافور، ثم يتحول إلى بسر ولونه أصفر أو أحمر، ثم باسومه، بعدها القيرين والرطب، وأخيرا السح أو التمر، ويحرصُ الإنسان العُماني على توزيع أول تباشير القيظ على الأطفال وجيرانه.
ويُؤكل ثمر النخلة بسرًا أو رطبا أو تمرا بعد تجفيفه وتخزينه، وعوادم كل مرحلة من ثمار النخلة تُسمى بالخامول، ومفردها خامولة وهو ما يتساقط من الخلال، وبالحشف وهو ما يتساقط يابسا قبل مرحلة الرطب أو التمر، وعادة تقدم للحيوانات.
للنَّخِيل استخدامات مُتعددة بجانب إنتاجها للتمور؛ فهي مصدر مهم في أعمال البناء والوقود؛ فقديما كانت تستخدم جذوعها في بناء المنازل، خاصة في إنشاء عوارض السقف، ويستخدم خوصها وزورها في صناعة الدعون وواجهات المنازل بما يُسمى بالدفوع، وتستعمل أليافها في صناعة الحبال ومقابض السلال وتبطين أغطية سروج الجمال والحمير، وفي تنظيف الأواني والصحون.
وتُستخدم جذوعها وجريدها أيضًا كوقود في الطبخ، وفي أفران صناعة النورة، بما يُسمى المهاب، وهي مشهورة عندنا في قُريات، خاصة في الكريب والمعلاة وعفا، وتستخدم عذوق النخيل بعد تخليصها من التمر -وبما يُسمى العسو- للتنظيف كمخمة، فجميع مشتقات النخلة من جريد وخوص وسعف وكرب وليف وعراجين وشماريخ وعذوق وعرادم، جميعها لها استخدامات مُتعددة في حياة الإنسان.
وعِند سُقوط النخلة -خاصة الطويلة منها، وتسمى عوانة- يتم خشي قمتها لاستخراج جمار أو قلب رأس النخلة، وبما يُسمى بالحجب؛ فهو غذاء ذو طعم لذيذ، ويتمُّ تجذيع جذع النخلة إلى مجمُوعة من الأجزاء وتسمى جذوع، وتُستخدم في تسقيف المنازل، وكرواجل لرفع الأشياء عن سطح الأرض، وكأوتاد لتعليق بعض محتويات المنزل كالجحال والقرب وتعليق القناديل... وغيرها، ويُصنع من جذع النخلة أيضًا ما يُسمى المطعم، وهو تجويف له قَعْر يُوضع فيه الماء والطعام للحيوانات، خاصة الأبقار.
النَّخلة لها إحساسٌ بمن يعتني بها، أتذكر أنه كان لنا جار كفيف البصر، ومعه زوجته وهي ضعيفة البصر أيضًا، يعيشان في هدوء وسكينة بمنزل من سعف النخيل، ورفضا أن يسكُنا في أي منزل آخر، وتصرف على معيشتهما الحُكُومة شهريًّا من خلال الضمان الاجتماعي، ويتصدق عليهما أهل الخير بما يُجيدون به من المال والغذاء، وكانت القناعة والمحبة تملأ قلبيهما، الكلُّ يحترمهما ويحبهما لما يتصفان به من أخلاق وتواضع.
هذان الزوجان غرسا أمام منزلهما نخلة من نوع القدمي، وهذه النخلة معروفة بغزارة إنتاجها في أول القيظ؛ فأول الرطب يكُون من نخلتهما، نَمَت تلك النخلة مع أيام عمرهما، فكبروا معا، كانا يعتنيان بهذه النخلة بالتسميد والسقي والشراطة والتأبير، وفي أيام القيظ يعتمدان عليها في إنتاج الرطب، وفي آخره تعطيهما تمرا وفيرا.
فما إنْ مات صاحب هذه النخلة الأعمى، والذي كان يرعاها ويسقيها ويهتم بها، حتى وجدنا تلك النخلة حانِية رأسها، ميتة على وقفتها، دُون أن تسقط، وبقيت كذلك حتى تمَّ قلعها وإزالة ذلك المنزل المُتواضع لإقامة مُنشأة حديثة مكانه.
النَّخلة فيها الخير الكثير، وإكرامها واجب على الجميع، وجلالة السلطان المُعظم -حفظه اللهُ ورعاه- وجَّه مُنذ سنوات بزراعة ملايين النخيل في مُختلف أرجاء عُمان، وقد أَسعدني كثيرا اهتمام وزارة الزراعة والثروة السمكية بالنخلة، ضمن خطتها الإستراتيجية المزمع تنفيذها خلال السنوات المقبلة.
كل الهناء لكم أيها الأصدقاء بموسم القيظ وبالرطب اللذيذ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.