مِنَ المبادئ المُهمة التي اعتمَد عليها الرسول -عليه
الصلاة والسلام- الدقة في اختيار واستقطاب الكفاءات، وكان -عليه الصلاة والسلام- يضع
الشخص المناسب في المكان المناسب، ويسند العمل إلى من تتوافر فيهم معايير: القوة، والأمانة،
والحفظ، والعلم، والخبرة، والمعرفة، والذكاء، والتميز، والقُدرة على القيادة
وتنفيذ المُهمة بحب وعطاء والتزام وورع وتقوى، وأداء الواجب بمسؤُولية وأمانة
وإخلاص وولاء، وبيقظة وقوة وحزم من غير عنف أو استبداد.
وَكَان -عليه الصلاة والسلام- يتأكد من كفاءة
الشخص وقدراته قبل تكليفه بمُهمة الوظيفة؛ فعندما أراد -عليه الصلاة والسلام- اختيار
معاذ بن جبل لمُهمة القضاء في اليمن، قال له عليه الصلاة والسلام: "كيف تقضي
إذا عُرض لك قضاء؟"، قال معاذ: أقضي بكتاب الله. قال -عليه الصلاة والسلام: "فإن
لم تجد في كتاب الله؟". قال معاذ: فبسنة رسول الله. قال -عليه الصلاة والسلام:
"فإن لم تجد في سُنة رسول الله، ولا في كتاب الله؟". قال معاذ: أجتهد
رأي، فضرب رسول الله صدره، وقال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يُرضي
رسول الله".
وَكَان -عليه الصلاة والسلام- أوَّل من طبق مفهُوم
التمكين كما يُعرَّف اليوم في مُصطلحات الإدارة المُعاصرة؛ حيث كان يحرص -عليه
الصلاة والسلام- على تمكين من وقع عليه الاختيار للعمل في مُمارسة مهامه وعمله،
ومنحه الصلاحيات والسُّلطة المناسبة بعد تقديم النصائح العامة ووضع الرؤية
المُستقبلية، وقد سار على منهجه صلى الله عليه وسلم الخلفاء الراشدون عند تعيين
الولاة لإدارة الدولة الإسلامية وتأمين ثغور الإسلام.
وَكَان -عليه الصلاة والسلام- يُؤكد على القيادات
في الدولة الإسلامية ضرُورة وأهمية اختيار البطانة الصالحة، التي تُعين القائد على
تحقيق الأهداف المخطط لها، وتذكِّره إن نسي وتعينه إن ذكر، والابتعاد عن الوُصُوليين
الذين يعملون على تغيير الحقائق والإضرار بالآخرين بما يتَّفق مع مصالحهم، ولهذا
يجب على المسؤُول أن يتصرَّف بحذر وحكمة فيما يسمعه، وأنْ لا يُعطي أذنه لشخص واحد
يصبُّ فيها ما يريد، وإنما عليه استيضاح الحقيقة من أكثر من مصدر، قبل أن يتخذ
موقفا معينا أو قرارا محددا.
ويُؤكد -عليه الصلاة والسلام- أهمية التخطيط
وتطبيق ما يُسمى اليوم بـ"الإدارة بالمُشاركة" في رسم الخُطط والأهداف،
وعمل على تطبيق مفهُوم تقسيم العمل، فهُناك من تولى قيادة الجيش والتخطيط العسكري،
ومنهم كتبة الوحي، ومنهم من تولى أمور الدعوة، ومنهم من تولى القضاء وإدارة
الدولة، وكان -عليه الصلاة والسلام- يحترم أهل الاختصاص، ويقول للصحابة: "أنتم
أعلم بأمور دنياكم".
هذه المبادئ السامية في الإدارة الإسلامية هي
اليوم أهم عوامل نجاح الإدارة المُعاصرة، وينادي بها عُلماء الإدارة والنظم الاجتماعية
والسياسية في مُختلف الدول المُتقدمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.